مني النمر تكتب: لا شيء يحدث صدفة

قال الله تعالى: «قُلْ لَن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ۚ هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (التوبة: 51) …
الحياة مليئة باللحظات الفارقة التي تفصل بين السعادة والتعاسة ، بين الفقدان والنجاة ، بين البقاء والرحيل …
لحظة واحدة قد تعني حياة جديدة ، أو نهاية مؤلمة …
حينها ندرك أن كل اختيار له ثمن ، له تبعات ، على تشكيل حياتنا في المستقبل ، وقتها فقط سوف نتأكد أنه لا شيء «يحدث بالصدفة»
هذا السؤال تحديدا كان محور فيلم 11:11، الذي طرح الفكرة بطريقة عميقة ، و الذي شاهدته أيضا بالصدفة …!!
الفيلم يدور حول أربع قصص تتقاطع جميعها في لحظة واحدة ، لحظة فارقة عند الساعة الحادية عشرة والدقيقة الحادية عشرة …
هذه اللحظة لم تكن مجرد رقم ، بل كانت رمزا لاحتمالات متعددة ، لسيناريوهات مختلفة يمكن أن تغير مجرى حياتنا في ثوان معدودة …
القصة الأبرز كانت حول “المحامي سعيد”، رجل يواجه انهيارا في حياته بعدما تكتشف زوجته خيانته .
فينهار كل شيء أمامه …
أسرته ، عمله ، صورته أمام طفله .
وفي لحظة يأس مطلق ، يجلس في سيارته محاولا الانتحار بإطلاق رصاصة على نفسه .
هنا تتوقف عقارب الساعة عند 11:11 ، ومعها يتوقف الزمن
ليطرح لنا الفيلم على طريقة «ماذا لو» …؟
ماذا لو تأخر أحد أبطال الفيلم دقيقة واحدة عن مكان الحدث ؟
ماذا لو قرر آخر أن يسلك طريقا مختلفا ؟
ماذا لو اتخذ سعيد قرارا آخر غير الانتحار ؟
كل هذه الاحتمالات الصغيرة كانت كفيلة بأن تغير مسار القصة بأكملها ، بل وحياة الأشخاص الأربعة جميعا …
ما شدني إن الفيلم أعاد المشاهد أكثر من مرة من زوايا مختلفة …
كأن الحياة تقول لنا أنظر …
التفاصيل التي تظنها صغيرة ، ممكن لها أن تعيد كتابة القصة بأكملها .
فنجد الفيلم يعيد المشهد نفسه من زوايا مختلفة ، بنفس الحوار تقريبا ، لكنه يكشف لنا أن التغيير في التفاصيل الصغيرة قد يصنع نهاية مختلفة تماما …
هذه الفليم لم يكن مجرد حبكة درامية ، بل كان انعكاسا لحياتنا اليومية …
كم مرة فكرنا في جملة : “ماذا لو؟” .
ماذا لو لم أركب تلك الحافلة ؟
ماذا لو لم أوافق على تلك الوظيفة ؟
ماذا لو أجلت هذا القرار يوما واحدا ؟
هذه الـ “ماذا لو” ليست مجرد تساؤلات عابرة ، بل هي اعتراف ضمني بأن حياتنا قائمة على مفترقات طرق ، وأن كل اختيار ، مهما بدا بسيطا ، يحمل معه ثمنا ونتيجة باهظة …
وهنا نستحضر قول النبي ﷺ: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك…» (حديث صحيح).
بهذا الحديث نجد الاجابه على تلك الهواجس التي تسكننا كلما سألنا أنفسنا :
“ماذا لو؟” …
فهل هي مجرد صدفة أن نلتقي بشخص يغير مسار حياتنا …؟ أو أن نكون في هذا المكان في هذا التوقيت بالذات …؟ هل كل ما يحدث لنا عبثاً ؟ أم أن هناك ترتيبا خفيا يفوق تفكيرنا ، يجعل الأحداث تتسلسل بهذه الطريقة الدقيقة …؟!!
ومن هنا ، ندرك أن مفهوم “الصدفة” ليس بالبساطة التي نتخيلها …
قد يبدو لنا أن اللقاءات عشوائية ، وأن الأحداث تقع بلا نظام ، لكن حين نعيد النظر ، نكتشف أن خيطا خفيا يجمع بين كل هذه التفاصيل … خيط ربما لا نراه بوضوح الآن ، لكنه يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل …
الفيلم يضعنا أمام حقيقة إنسانية عميقة … نحن لا نملك السيطرة الكاملة على ما يحدث ، لكننا نملك في ذات الوقت القدرة على الاختيار داخل الإطار الذي يمنح لنا …
اللحظة قد تفرض علينا ، لكن قرارنا في تلك اللحظة هو ما يصنع الفارق …
قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ۖ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى: 30).
حين نتأمل حياتنا ، نجد أن اللحظات التي حسبناها “صدفة” هي التي شكلت أهم منعطفاتنا .
قد يكون لقاء غير متوقع هو بداية حب عظيم ، أو حادث عرضي هو سبب في تحويل مسار حياتنا ، أو حتى أزمة قاسية دفعتنا إلى إعادة حساباتنا …
إذن، هل هناك صدفة حقا …؟!!
ربما لا …
ربما كل ما نعيشه هو لوحة كبرى ، نحن لا نراها إلا مقطعة التفاصيل ، لكن حين نبتعد قليلاً ونجمع الأجزاء ، نكتشف أن لكل حدث مكانا ، ولكل لحظة مغزى …
هنا يتركنا فيلم 11:11 مع هذا التأمل العميق …
فنحن أحياناً لا نفهم لماذا يحدث ما يحدث ، لكننا مع الوقت نكتشف أن كل لحظة ، مهما بدت قاسية أو عابرة ، كانت ضرورية لتقودنا إلى ما نحن عليه الآن …
لا شيء يحدث صدفة ، بل هناك حكمة ، معنى ، رب يدبر كل تفصيلة …
وأن كل ما يحدث جزء من حكاية أكبر تكتب بدقة تفوق إدراكنا …
فاستقبل كل ما يحدث لك ، بالرضا ، بالإيمان ، بأن القادم دائما خير ” إذا أحسنا الاختيار في لحظة القرار” …