روجينا فتح الله تكتب: قانون العمل الجديد.. خطوة نحو عدالة أكثر شمولاً وتمكيناً للمرأة

كاتبة صحفية متخصصة في ملف المرأة

في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، تأتي قوانين العمل كمرآة تعكس مدى تطور المجتمع والتزامه بالعدالة والحقوق، ومن هذا المنطلق، نظم المجلس القومي للمرأة ندوة بالغة الأهمية تحت عنوان “قانون العمل الجديد: ما الجديد وما التأثير؟”، جمعت نخبة من القضاة والخبراء القانونيين وأصحاب الأعمال، وأدارتها المستشارة الدكتورة ماريان قلدس، وسط حضور متنوع من المعنيين بالشأن العمالي.

ما يلفت النظر في هذه الندوة ليس فقط الطرح القانوني، بل تركيزها العميق على أثر التعديلات على المرأة العاملة، وتقديم قراءة نقدية بنّاءة للتعديلات الجديدة، التي جاءت – كما أوضح المتحدثون – نتاج حوار ثلاثي متوازن بين الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال، واستندت إلى المعايير الدولية.

لقد جاءت كلمات المستشارة ماريان قلدس في افتتاح الندوة واضحة وداعمة، حيث استشهدت بتصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي: “لن أوقع على قانون لا ينصف المرأة المصرية”، وهي عبارة تعكس توجهًا سياسيًا واضحًا نحو دعم المرأة، ليس كشعارات، بل عبر نصوص قانونية مُلزِمة تحمي حقوقها وتعزز دورها في سوق العمل.

ولعل أبرز ما تم عرضه خلال الندوة هو المكتسبات الثمانية الجديدة التي يضمنها القانون للمرأة المصرية، وهي: المساواة في الأجر والحقوق، إجازة الوضع والرعاية الصحية، الحماية من الفصل والعودة للعمل، فترات الرضاعة، إجازة رعاية الطفل، إنهاء عقد العمل بإرادة العاملة، أنظمة تشغيل النساء، حق المرأة في دور الحضانة.

هذه المكتسبات ليست فقط نصوصًا قانونية، بل هي تعبير عملي عن الرغبة في تحقيق العدالة الجندرية داخل بيئة العمل، وتمكين المرأة من تحقيق التوازن بين مسؤولياتها الأسرية وطموحاتها المهنية، فالقانون الجديد، كما أشار المتحدثون، يعترف بأن أنماط العمل التقليدية لم تعد كافية، وأن الحل يكمن في أنماط عمل مرنة تتيح للمرأة مساحة أوسع للمشاركة في الحياة الاقتصادية.

من جهة أخرى، لفتني التأكيد المتكرر من المشاركين على أهمية فهم القصد التشريعي، فكما قال الأستاذ تامر فوقي، لا يمكن تطبيق القانون بفعالية دون فهم فلسفته، خاصة مع إدراج تعريفات دقيقة لـ 30 مصطلحًا تنظّم علاقة العامل بصاحب العمل، وهذا بدوره يسهل فضّ النزاعات ويحقق بيئة عمل أكثر استقرارًا ووضوحًا.

كما أن تجريم أفعال مثل التحرش والتنمر واستغلال النفوذ في بيئة العمل، وتحديد آليات واضحة للعقوبة، يبعث برسالة واضحة: الكرامة خط أحمر، وهو تطور قانوني طال انتظاره.

وبعيدًا عن النقاشات النظرية، كان للندوة بعد إنساني واقتصادي لافت، من خلال تنظيم معرض لمنتجات السيدات من مختلف المحافظات، وهو دمج رائع بين التوعية القانونية والتمكين الاقتصادي على الأرض.

في الختام، هذه الندوة لم تكن مجرد جلسة حوار، بل كانت منصة لتأكيد التوجه الوطني نحو عدالة حقيقية للمرأة في بيئة العمل، ورسالة إلى كل امرأة مصرية أن صوتها مسموع، وأن الدولة تعمل على تهيئة بيئة قانونية تحترم دورها، وتحمي حقوقها، وتُعزز من مشاركتها الاقتصادية.

لكن تظل الكرة الآن في ملعب التطبيق والمراقبة والمتابعة. فالقانون الجديد يحمل وعودًا كثيرة، لكن نجاحه سيتوقف على مدى تفعيله على الأرض، ومدى وعي النساء والعاملين به، واستعداد أصحاب العمل لتبنيه بروح العدالة لا فقط بنصوص الإلزام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى