شريف الريس يكتب: الاغتيالات القذرة صناعة إسرائيلية؟

لطالما كانت القدرة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية لها اليد العليا في عمليات الاغتيالات القذرة والقبيحة فمنذ عقود، استطاعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” و”الشاباك” أن تخترق الصفوف العربية وتنفذ عمليات اغتيال دقيقة ومحكمة لقادة فلسطينيين وعرب في عواصم مختلفة حول العالم.

من اغتيال أبو جهاد في تونس عام 1988، إلى محمود المبحوح في دبي عام 2010، مرورًا بالعديد من القادة في لبنان وسوريا،وصولا بدولة قطر.. ورسّخت إسرائيل لنفسها سمعة بأنها القوة التي لا تُقهر، وأن يدها العليا تستطيع أن تطال أي هدف في أي مكان وزمان.

لم تكن هذه العمليات مجرد حوادث فردية، بل كانت جزءًا من استراتيجية مدروسة لإضعاف القيادات الفلسطينية والعربية وزرع حالة من الرعب واليأس. كانت كل عملية اغتيال بمثابة رسالة واضحة: لا يوجد مكان آمن. هذه الرسالة لم تكن موجهة للقادة المستهدفين فقط، بل كانت موجهة أيضًا للشعوب التي تدعم قضيتهم، لتقنعهم بأن مقاومتهم عبثية أمام القوة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

تزامنت هذه السمعة الأمنية مع أسطورة عسكرية أخرى، وهي خط بارليف المنيع، الذي كان يُعتبر درع إسرائيل الواقي على الضفة الشرقية لقناة السويس. هذا الخط، الذي بُني ليكون مستحيل الاختراق، كان رمزًا للقوة العسكرية التي لا تُهزم، تمامًا كما كانت اليد الأمنية العليا.

لكن التاريخ أثبت أن الأساطير يمكن أن تسقط. ففي السادس من أكتوبر عام 1973، سقطت أسطورة خط بارليف على يد رجال الجيش المصري العظيم في حرب أكتوبر المجيدة. لم يكن هذا مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا نفسيًا هائلاً. لقد أثبت المصريون أن العزيمة والإرادة يمكن أن تهزم أحدث الأسلحة وأكثر الدفاعات تحصينًا. لقد هُشّمت فكرة “الجيش الذي لا يُقهر” التي روّجت لها إسرائيل لعقود.

وبعد أكثر من خمسين عامًا على حرب أكتوبر، وفي السابع من أكتوبر عام 2023، تعرضت إسرائيل لصدمة أخرى، هذه المرة على يد المقاومة الفلسطينية. لقد نجحت المقاومة في اختراق الحدود المحكمة والمنظومة الأمنية المتطورة، والوصول إلى مستوطنات وقواعد عسكرية كانت تعتبر عصية على الاختراق. كانت الصدمة هائلة، ليس فقط بسبب حجم الخسائر البشرية والعسكرية، بل بسبب تحطم أسطورة اليد العليا.

سقطت فكرة أن إسرائيل تستطيع أن تصل إلى أي مكان وتنفذ ما تريد. هذه الأحداث لم تكن مجرد فشل استخباراتي أو عسكري، بل كانت انهيارًا للمفهوم الأمني الذي بنت عليه إسرائيل وجودها. لم يعد بإمكان إسرائيل أن تدّعي أنها قادرة على قمع المقاومة أو إحباط خططها قبل تنفيذها. لقد أثبتت أحداث السابع من أكتوبر أن هناك نقاط ضعف كبيرة في المنظومة الأمنية الإسرائيلية.

إن سقوط أسطورة اليد الإسرائيلية العليا يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل الصراع. هل ستتمكن إسرائيل من استعادة هيبتها الأمنية؟ أم أن هذه الأحداث ستكون بداية لعهد جديد من الصراع، حيث لم تعد القوة الأمنية الإسرائيلية هي العامل الحاسم؟

لقد أثبت التاريخ مرتين أن الأساطير الأمنية والعسكرية يمكن أن تتهاوى أمام الإرادة الحرة والعزيمة الصلبة. سواء كان خط بارليف أو اليد الأمنية العليا، فإن أي قوة تعتقد أنها فوق الإرادة الإنسانية محكوم عليها بالسقوط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى