روجينا فتح الله تكتب: هل تبقى القاهرة القديمة مجرد ذكرى؟

كاتبة صحفية

مشهد العاصمة الإدارية اليوم يُشبه لوحة حديثة بألوان زاهية، بينما القاهرة القديمة تقف على حدودها، تحمل عبء التاريخ، وتنتظر دورها في الرواية الجديدة للدولة، مع إعلان الحكومة رسميًا تكليف صندوق مصر السيادي بإدارة واستغلال المقرات الحكومية القديمة بعد انتقال الوزارات والجهات السيادية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تبدأ مرحلة جديدة، لا تقل أهمية عن مشروع الانتقال نفسه.

قرار نقل الحكومة بالكامل كان جزءًا من رؤية أكبر تهدف إلى تخفيف الزحام عن القاهرة، وتحقيق نقلة نوعية في أسلوب الإدارة الحكومية، ولكن ماذا عن تلك المقرات التاريخية، التي كانت يومًا ما شواهد على قرارات مصيرية، ومراكز صناعة القرار لعقود طويلة؟ هل تُركت للزوال؟ أم أن هناك خطة لإعادة توظيفها اقتصاديًا وثقافيًا؟

الفراغ لا يدوم.. فهل يأتي الاستثمار؟
إيكال المهمة إلى صندوق مصر السيادي يعكس توجّه الدولة نحو إدارة الأصول غير المستغلة بطريقة احترافية، بدلًا من تركها عرضة للإهمال أو العشوائية، الصندوق الذي تأسس بهدف تعظيم قيمة الأصول المملوكة للدولة وتحقيق عوائد مستدامة، أصبح الآن أمام اختبار واقعي بالغ الحساسية: تحويل المباني الإدارية القديمة – التي غالبًا ما تقع في مواقع استراتيجية – إلى مصادر دخل دون المساس بقيمتها التاريخية أو طابعها المعماري.

هل تتحول تلك المقرات إلى فنادق تراثية؟ مراكز ثقافية؟ مشاريع استثمارية؟ أم ستُخصص لبعض الخدمات الحكومية الخفيفة أو التعليمية؟ التنوع مطلوب، لكن التوازن أكثر أهمية.

إحياء لا إخلاء
المسألة ليست فقط “إخلاء مقرات”، بل هي فرصة لـ”إحياء القاهرة” نفسها، المقرات التي تقع في قلب العاصمة، مثل وسط البلد، جاردن سيتي، أو مصر الجديدة، يمكن أن تكون بداية لمشروع إحياء عمراني شامل يعيد توزيع الكثافات السكانية والوظيفية، ويمنح القاهرة العتيقة نفسًا جديدًا.

لكن الخطر يكمن في النظر لتلك الأصول فقط من زاوية القيمة المالية، دون اعتبار لأبعاد أخرى، كالقيمة المعمارية، والهوية الثقافية، والذاكرة الجمعية، القاهرة ليست مجرد أحياء قديمة، بل كيان تاريخي عميق، لا يحتمل الاجتزاء أو التشويه.

أين الشفافية؟
نجاح هذه الخطوة لا يعتمد فقط على حسن النية، بل على الشفافية والمشاركة المجتمعية، المواطنون بحاجة إلى معرفة ماذا سيحدث لتلك المباني، ومن سيتولى تطويرها، وما العوائد المتوقعة، وكيف ستُستخدم تلك العوائد؟ هل ستُضخ في مشاريع خدمية؟ أم ستُعاد استثمارها في أصول أخرى؟

هذه ليست مجرد ممتلكات عقارية، بل جزء من ذاكرة الدولة، وينبغي التعامل معها على هذا الأساس.

في الختام ربما نكون على أعتاب واحدة من أكبر عمليات إعادة توزيع الأصول في تاريخ مصر الحديث، الفرصة قائمة، والمخاطر كذلك. والفيصل سيكون في طريقة التنفيذ: هل نعيد توظيف الماضي لبناء المستقبل؟ أم نفرّط في التاريخ تحت شعار التطوير؟

الكرة الآن في ملعب صندوق مصر السيادي، لكن الجمهور كله يشاهد، والتاريخ يسجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى