مني النمر تكتب: النسخة الأخيرة … “ما نراه ليس كما يبدو” …

في العلاقات الإنسانية ، قد نخدع أنفسنا أكثر مما يخدعنا الآخرون … نرى ما نريد أن نراه ، حتى وإن كانت الحقيقة تقول شيئاً آخر …
نتمسك بصورة صنعناها نحن بأيدينا ، ونلبسها ملامح البراءة والصدق والحنان ، رغم أن الواقع كان يهمس لنا طوال الوقت بأن ما نراه ليس كما يبدو …

بدأ مؤخرًا عرض مسلسل بعنوان ما تراه ليس كما يبدو ، وقد لفت انتباه المشاهدين ليس فقط بأحداثه ، بل بعنوانه الذي يصلح أن يكون حكمة تختصر كثيرا من التجارب الحياتية … فالحياة ليست دائما على ما تبدو عليه في أعيننا …

فالنسخة الأخيرة التي تظهر أمامك حين تنكسر العلاقة أو تدخل في خلاف كبير ، لم تولد فجأة …
لم تظهر في لحظة خصام أو عند كلمة جارحة . النسخة الأخيرة كانت هناك منذ البداية ، مختبئة بين السطور ، متخفية وراء المظاهر البراقة ، لكنك اخترت ألا تراها …

ربما لأنك كنت تبحث عن الطمأنينة بأي ثمن ، أو لأنك كنت ترفض أن تواجه نفسك بالحقيقة . أحياناً …
لا يكون الآخرون هم من يخدعوننا ، بل نحن من نخدع قلوبنا لأننا نخشى الوحدة ، أو لأننا اعتدنا التمسك بما نعرفه حتى لو كان زيفاً …

كم مرة حاولت إقناع نفسك بأن ما تراه ليس إلا لحظة غضب عابرة …!!
كم مرة وجدت المبررات لشخصية باردة ، أو قاسية ، أو متسلطة ، فقط لأنك لا تريد أن تنهار الصورة التي بنيتها بعناية …؟
نحن بارعون في إيجاد الأعذار ، في ترقيع الثقوب ، لكن الحقيقة لا تموت . تظل تنتظرنا عند نهاية الطريق ، لتواجهنا بلا أقنعة ، في صورة النسخة الأخيرة ، فيما كنا لا نريد أن نراه …

العبرة بالنهايات ، وليست بالبدايات … فالبدايات غالباً ما تكون براقة ، مزينة بالوعود والكلمات الجميلة والاهتمام الذي قد يخدعنا .

لكن النهايات تكشف معدن النفوس ، تفضح حقيقة المشاعر ، وتظهر الوجه الذي حاول صاحبه إخفاءه طويلاً …
عند النهاية فقط ، يسقط القناع ، وتتعرف على الإنسان كما هو ، لا كما كنت تتمنى أن يكون …

قد تبدو النهاية قاسية ، وقد تترك فيك ندبة لا تمحى …
لكن وسط الألم تكمن الحقيقة …

فقليل من النهايات يكون صادقاً بما يكفي ليهزنا من الداخل ، ويجعلنا ندرك أن ما عشناه لم يكن كاملاً لم يكن كما كنا نراه …
قد تكون النهاية موجعة ، لكنها في الوقت نفسه تحررنا من أوهام صنعناها بأيدينا …

ربما لم يكن الآخر ملاكاً كما أقنعنا أنفسنا ، وربما لم يكن الشيطان أيضاً . والنسخة الأخيرة التي ظهرت في وجهك لم تكن سوى حقيقته ، الحقيقة التي رفضت أن تراها في البداية ، لأنك كنت أسيراً لحلم ، أو خائفاً من التغيير ، أو متردداً في أن تخسر شيئاً اعتدت عليه …

الخوف من التغيير يجعلنا أحياناً نتمسك بالخطأ أكثر مما نستطيع احتماله . نعيش في سلام نفسي مزيف ، نوهم أنفسنا أن كل شيء بخير …
لكن أي سلام هش كهذا لا يمكن أن يستمر طويلاً ، وأي حب لا يقوم على الصدق لا بد أن ينهار عند أول اختبار…

النسخة الأخيرة أو مالا نريد أن نراه درس ، حتى وإن كان قاسيا …
لانه المرآة التي تعكس لك بوضوح ما لم ترد أن تراه …
هو النهاية التي تقول لك إن التعلق الزائف يستهلك روحك ، وإن البدايات الكاذبة مهما طالت ستتكشف يوماً ما …

تذكر دائماً …
قد نخدع أنفسنا طويلاً ، لكننا لا نستطيع الهروب من الحقيقة إلى الأبد . وعندما تأتي اللحظة التي ترى فيها النسخة الحقيقية ، لا تحزن كثيراً …
اشكرها لأنها منحتك فرصة أن تتحرر من الوهم ، وأن تعيد لنفسك حريتها ، وأن تبدأ من جديد بعينين مفتوحتين ، وقلب أكثر وعياً …

فالنهايات ، مهما كانت مؤلمة ، هي دائما ما تكون البدايات الحقيقية …
والنسخة الأخيرة التي تراها من الآخرين ، قد تكون أول نسخة صادقة تراها منهم على الإطلاق …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى