محمود النجار يكتب: “البلوكشين” بين الهدم والبناء
ارتبطت تقنية “البلوكشين” بالعملات المشفرة حيث بدأت التقنية مع ظهور “البيتكوين”، وذلك لحل مشكلة تداول العملة المشفرة ومنع نسخها أو تزييفها، مما انعكس سلبًا على تقنية “البلوكشين”، والتي تم استخدامها في مجالات عديدة في الأعمال التجارية والبنوك وكذلك فرص واعدة وأفكار وحلول تقدمية.
بدأ ظهور العملات المشفرة في ٢٠٠٩ كاعتراض على مركزية إصدار النقود وبالأخص الدولار الأمريكي الذي تم طُبع منه ١٠٠ مليار في الفترة بين (١٩٩٩-٢٠٠٩) بدون أي غطاء عينى، وكذلك هدم النظام المالي المركزي، وإصدار نظام مالي آخر بديلاً عن البنوك المركزية يعتمد على اللا مركزية في إصدار النقود وعدم التحكم فيها عن وتداولها عن طريق شبكة الإنترنت دون الحاجة إلى البنوك.
البداية كانت بورقة بحثية تم نشرها باسم “ساتوشي ناكاموتو” تتحدث عن “البلوكشين”، وكانت فكرة ثورية لأنها أسهمت في إيجاد حلول للمشكلة الكامنة، وهي أن البيانات الإلكترونية يتم نسخها بشكل سهل وبدون حفظ لأي حقوق ملكية ولا يوجد ما يمنع ذلك، وبالتالي أي ملف موجود من السهل نقله ونسخه عند أكثر من مستخدم، ومن ثَم لا يتم التعرف على الملف الأصلي من الملف المنسوخ، وهذا يخالف تمامًا فكرة النقود والاحتفاظ بقيمتها والتعرف على المالك الأصلي لها، وأسهم هذا البحث في إيجاد حل عن طريق قاعدة بيانات تحافظ على حقوق الملكية ولا يمكن التعديل عليها أو نسخها ولا يمكن الإضافة إليها إلا بموافقة المالكين لهذه البيانات.
وببساطة شديدة نستطيع أن نقول مثال للفكرة، بأن هناك شركة بها العديد من الشركاء كلا منهم يمتلك نسبة مسجلة بعقد وكل شريك له نسخة من هذا العقد ولا يستطيعوا اتخاذ أي قرار -غير بالإجماع-، ويكتب كل واحد منهم في سجله الخاص القرار المتفق عليه فمن المستحيل أن يتم تعديله إلا باجتماعهم والموافقة على التعديل وذلك لأن السجلات يتم مطابقتها في كل اجتماع وأخذ قرار جديد، ومن هنا ظهرت فكرة السجلات اللا مركزية والتي تتميّز بأن تكون تلك السجلات موجودة عند كل المستخدمين ولذلك من الصعب وقد يكون من المستحيل أن يتم التعديل عليها أو تزويرها لأن هناك عددًا كبيرًا جدًا من المستخدمين لتلك التقنية لديهم نفس السجلات والتي يتم مطابقتها كل مرة يتم فيها إنشاء سجل جديد فمن المستحيل أن يتم التعديل عليها أو تزويرها ومن هنا بدأت العملة المشفرة، أن تكون عبارة عن بيان موجود من ضمن قاعدة البيانات الموجودة لدى المستخدمين، ولها سجل فمن المستحيل أن يتم تزويرها وفي نفس الوقت حلَّ مشكلة تداول العملات عن طريق عنوان (محفظة) وهذا العنوان يكون عبارة عن مفتاحين، المفتاح الأول هو مفتاح عام، وهو عبارة عن عنوان المحفظة التي يتم تشاركها مع الآخرين مثل رقم التليفون، بينما المفتاح الثاني هو عبارة عن كلمة السر التي يتم عن طريقه التأكيد على صحة امتلاك العملة المشفرة وتحويل العملة لمحفظة أخرى وقاعدة البيانات نفسها يتم تشغيلها بشكل مستمر بحيث تظل مستمرة عن طريق أجهزة كمبيوتر تنتج البلوكات، وكل بلوك يكون به عمليات التحويلات التي تمت ويكون به العملات التي تم إنتاجها، وهذا باختصار فكرة العملات المشفرة.
لكن للأسف برغم أن الفكرة عبقرية إلى أن استخدامها في العملات المشفرة كنقود فشل، وتحولت إلى أقرب ما يكون إلى أسهم يتم المضاربة عليها، وهذا أدى إلى أن سعر البيتكوين يصل إلى أن الدولار الواحد يساوى ١٣٠٩ بيتكوين إلا أن البيتكوين الواحد يساوى ٤٢ ألف دولار، رغم أن الفكرة الأساسية للبيتكوين كانت عدم اللا مركزية في إصدار النقود إلى أن “ساتوشي ناكاموتو” مصدرها الأساسي حصل على مليون قطعة بيتكوين من أصل 21 مليون قطعة بيتكوين ستكون متاحة بالعالم كله على أنه يتحكم بنسبة 5% من إجمالي البيتكوين، ويتحكم حوالي 100 شخص في 18% أي أنه تحولت مركزية الحكومات لمركزية أشخاص يسيطروا على أكثر من 23% من العملة المشفرة.
إلى الآن لم يتم إثبات أي اختراق أو تزييف لعملة البيتكوين وبالرغم من ذلك فقدت أكثر من 4 ملايين قطعة بتكوين بسبب فقد من يمتلكها المفتاح الخاص به، وتم أكثر من عملية استيلاء للأموال عن طريق منصات تبادل العملات قدرت بـ 14 مليار دولار في 2021 وحدها، فارتباط البيتكوين بعمليات القرصنة والفدية وغسيل الأموال جعل العملات المشفرة تكتسب “سمعة سيئة” كنقود يتم تداولها في تلك العمليات المشبوهة، حيث أنه تم حصول “فيروس الفدية” في 2020 على 350 مليون دولار تم دفعهم عن طريق البيتكوين، ومليارات الدولارات التي تم استخدامها على شبكة “الدارك ويب” للعمليات المشبوهة عن طريق البيتكوين.