محمد أبو عمارة يكتب: حضارة تُعلِّم وثقافة تُنور

الحضارة تُعلِّم، أما الثقافة فتُنور، تحتاج الأولى إلى تعلُم، أما الثانية فتحتاج الى تأمل.

ندرك جميعًا أهمية الثقافه والحاجة إليها في حياتنا الإجتماعية وليس للثقافة معيار ثابت تقاس به ولكن يمكنني أن أقول أنها تتكون من تنوع الحصيلة المعرفية للبشر، بحسب اختلاف اهتماماتهم، فالبشر مختلفون بطبائعهم ومعارفهم، فهناك من يهتم بتحقيق الإنجازات فقط والتي تتجسد من وجهة نظره بكسب المال وجمعه فقط، وهناك من تجده مهتماً بتطوير ذاته وتحصيل أكبر قدرٍ من المعارف، فثقافة الشخص هي مؤشرٌ جيد عمَّا يحتويه هذا الشخص وعن شخصيته، وتتحصل هذه الثقافة عن طريق القراءة وحب الاطلاع وحب معرفة الجديد، وحب استكشاف الوجود والتنقل بسهوله ووديانه وبحاره ومحيطاته والعيش مع كل الأمم ومعرفة الحضارات جميعها ومحاولة العيش فيها والتفاعل معها ويمكننا أن نعتبر الثقافة مجموعة من الأفكار المشتركة من العادات والتقاليد والقيم والمعايير والأنظمة الاقتصادية والسلوكيات واللغة التي توجد داخل مجتمع ضمن منطقة جغرافية محددة، كما يُطلق عليها أيضاً الفكر السائد أو ثقافة الحيز العمراني أو الجغرافي، حيث تمتاز دائماً بوجودها داخل إطار جغرافي محدد كامنة في أفراد المجتمع من ثقافات فرعية وأعراق وجنسيات مختلفة كما يساهم ذلك في بناء صبغة ثقافية خاصة جراء عملية الاختلاط والاندماج الثقافي والعرقي الواسع داخل المجتمع ويؤثر في ذلك طبيعة السياسة أو إدارة الحيز الجغرافي والقوانين الدستورية في تشكيل هذه الثقافة العامة عند الأفراد، فالثقافة العامة بمثابة الرأي العام في انتشاره وتبنيه ولكن على فترة زمنية طويلة، وتبدأ الثقافة بالنمو والتطور مع نمو المجتمعات وتطورها، فلكل مجتمع ثقافة تعكس هويته وشخصيته، ولم تعُد الثقافة في يومنا هذا ترفاً، نظراً لتزايد المعرفة وانتشارها بشكل سريع، والانفتاح الثقافي الذي أوجدته العولمة، مما جعل من كيفية التعامل مع ذلك تحدياً ثقافياً للكثير من المجتمعات .

ومن المهم أن نلفت النظر لمدى أهمية الثقافة العامة، إذ أنها تكسب الأفراد الإحساس بالوحدة فيما بينهم، وتهيِّئ لهم طرق العيش والعمل المناسبين بدون أي صعوبات وتمدّ الأفراد بالأنماط السّلوكيّة الخاصة بإشباع حاجاتهم البيولوجيّة من: أكل، وشرب، وملبس لضمان البقاء كما أنها تمدّ أفراد المجتمع بمجموعة من القوانين والأنظمة التي تساعدهم على التّكيّف مع أمور الحياة، وتجعل الفرد يُقدّر ثقافته خاصّة في حال قارن ثقافته مع ثقافة أخرى .

وتُساهم الثقافة العامة في تشكيل المعالم الأصليّة للتاريخ الثقافيّ الخاص بالشعوب كما تُساعد على بناء المجتمعات ووضع أساساتها الحضاريّة، والاجتماعيّة، والمعرفيّة، لذلك أصبح مفهوم الثقافة من الموضوعات المهمة التي تُشكّل مادةً أساسيّة للدراسات الأدبيّة، والاجتماعيّة، واللغويّة؛ حيث تُعدّ الثقافة العامة نوعاً من أنواع المعارف التي تنوعت تعريفاتها ومفاهيمها، فتُعتبر بعض هذه التعريفات واضحة وبسيطة، بينما تظهر تعريفات أُخرى مُعقدة وصعبة، وأدّى ذلك إلى أن تصبح الثقافة جزءاً مهماً من حياتنا الإجتماعية.
وتلعب كل من الثقافة والتبادل الثقافي دوراً في تسهيل التوصل إلى أشكال متعددة من فهم العالم وتمثيله. هذه “الثقافة العامة” هي في الوقت نفسه أحد أشكال الوعي الجماعي كما هي طريقة تعابير فردية، وعليه فعلاقتها بالتربية هي علاقة مركزية إذ يتعلق الأمر بتمكين الفرد من المشاركة في تجربة عالم مشترك وفي تأسيس هذا العالم وتأسيس عناصره من علوم وفنون وآداب تأسيساً معرفياً، وتُمنحُ الثقافة معنى إدراكياً جديداً، ضمن العملية التربوية، فتصبح مجموعة العوامل المؤسسة “للفكر” والتي تسمح بالوصول إلى مجموعة من الأدوات التي أسستها الثقافة واستخدمتها المدرسة. إذاً “لن يُحصر برنامج المدرسة بالنظم المدرسية التي يتم تعليمها فيها، وإنما سيصبح النظام الأساسي للمدرسة، من منظور تاريخي، هو المدرسة نفسها”.

وإذا كانت الثقافة عامل بشري أو رغبة بشرية منفردة، وهي مختلفة كما سبق البيان عن التعليم الإلزامي أو غيره من أنواع التعليم، إلا أن أمرها على أهميته لا يتوقف على حال الفرد الراغب في التثقف، إنما هناك دور فاعل ورئيسي ومؤثر يقع على عاتق الدولة، وبحسب أننا دولة لديها وزارة تسمى “وزارة الثقافة”.

وأُنهي حديثي بحقيقة مُستنبطه وهي أن الثقافة طبيعة المجتمع وهي أسلوب التفكير الذي يجمع بين أفراده فلا يمكن فهم بنية أي تنظيم إجتماعي لأي مجموعه من الأفراد إلا من خلال معرفة طبيعة ثقافتهم وبيان عناصرها وإدراك هويتها وأبعادها الإجتماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى