شريف الريس يكتب: الصداقة روح واحدة في جسدين

في زحام الحياة وضجيجها، يبقى هناك رابط خفي، لكنه شديد القوة، يشدنا إلى الآخرين ويمنحنا السكينة والدعم؛ إنه الصداقة. ليست مجرد علاقة عابرة، بل هي دعامة أساسية لحياة الإنسان، تمنحه القوة في ضعفه، والبهجة في حزنه، والمعنى في وجوده. لطالما تغنى بها الشعراء، وفلسفها الحكماء، ورآها الكتّاب جوهر الوجود الإنساني.

لطالما أدرك الفلاسفة أهمية الصداقة في بناء المجتمعات وتهذيب النفوس. يرى أرسطو، فيلسوف اليونان العظيم، أن الصداقة “روح واحدة تسكن جسدين”، مؤكداً على أن الصداقة الحقيقية تتجاوز مجرد المنفعة أو المتعة، لترتقي إلى الفضيلة الخالصة. فصديق الفضيلة هو من يتمنى الخير لصديقه لذاته، لا لشيء آخر، وهذا هو أعلى أنواع الصداقة وأكثرها بقاءً. وفي هذا المعنى، تتجلى الصداقة كقيمة أخلاقية عليا، تسهم في تحقيق السعادة الحقيقية للفرد والمجتمع.

لم يختلف الكُتّاب كثيراً عن الفلاسفة في تقديرهم للصداقة الخالدة. يقول الكاتب الإنجليزي جوزيف أديسون: “الصداقة هي الزهرة الوحيدة التي لا يذبل عبيرها مهما طال الزمن”. وهو تشبيه بليغ يصور لنا الصداقة كشيء خالد، لا يتأثر بتقلبات الحياة وظروفها. فكما أن الزهور تبهج الأنظار وتملأ الأجواء بعبيرها، كذلك الصداقة تضفي على الحياة جمالاً ورونقاً، وتجعلنا نرى العالم بألوان أكثر إشراقاً.

يضيف رالف والدو إيمرسون، الفيلسوف والشاعر الأمريكي، بعداً آخر لفهم الصداقة، بقوله: “الصداقة هي إحساس متبادل بالحب والتفاهم والثقة”. وهنا، لا تقتصر الصداقة على العطاء من جانب واحد، بل هي عملية تبادلية تتطلب من الطرفين بذل الجهد للحفاظ على هذا الرابط وتقويته. الثقة هي الأساس الذي تبنى عليه كل صداقة حقيقية، فبدونها تتهاوى الجسور وتنقطع الأواصر. والتفاهم هو مفتاح حل الخلافات وتجاوز العقبات، بينما الحب هو الوقود الذي يبقي شعلة الصداقة متوهجة.

الصداقة في جوهرها هي مرآة تعكس ذواتنا، ففي وجوه أصدقائنا نجد انعكاساً لمشاعرنا وأفكارنا. إنهم الرفاق الذين نشاركهم الأفراح والأحزان، والذين نلجأ إليهم عندما تضيق بنا السبل. هم من يحتفظون بأسرارنا، ويسندوننا في عثراتنا، ويشاركوننا أحلامنا وطموحاتنا.

في عالم يزداد تعقيداً وسرعة، تظل الصداقة واحة أمان، وملاذاً للروح، ومنارة تهدينا في ظلمات الحياة. إنها ليست مجرد علاقة عابرة، بل هي استثمار حقيقي في السعادة والرضا. فلنحرص على أصدقائنا، ولنمنحهم الوقت والاهتمام الذي يستحقونه، فالعلاقات الإنسانية الأصيلة هي الكنز الحقيقي الذي لا يفنى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى