شريف جابر سالم يكتب: سرقات اللوحات الفنية: حين يصبح الجمال هدفًا للجريمة

تُعد اللوحات الفنية من أعظم ما أبدعته الحضارة الإنسانية، إذ تحمل في طياتها تجليات الجمال، والتاريخ، والرموز الثقافية. لكن خلف هذه القيم السامية، لطالما شكّلت هذه الأعمال هدفًا مغريًا لعصابات الجريمة المنظمة، ولمهووسي الفن ممن يرغبون في اقتناء الروائع بعيدًا عن أعين العالم. عبر التاريخ، شهدت المتاحف والمعارض عمليات سرقة غريبة ومثيرة، تجاوزت أحيانًا حدود المعقول، وترك بعضها ألغازًا لم تُحل حتى اليوم.
## *موناليزا: السرقة التي صنعت شهرة اللوحة*
في عام 1911، اختفت لوحة الموناليزا من متحف اللوفر في باريس، في حادثة هزّت العالم. لم تكن آنذاك اللوحة الأشهر، لكن سرقتها جعلت منها حديث الصحافة الدولية لسنوات. السارق كان فينتشنزو بيروجيا، إيطالي الجنسية، اعتبر نفسه بطلًا قوميًا لأنه أعاد اللوحة إلى “موطنها” إيطاليا. وبعد عامين من الاختفاء، عُثر عليها في فلورنسا، وأعيدت للوفر، حيث تحولت إلى أيقونة الفن الأكثر شهرة في العالم.
## *جريمة القرن: سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنر*
في عام 1990، شهد متحف “إيزابيلا ستيوارت غاردنر” في بوسطن أكبر سرقة فنية في التاريخ. تنكّر لصان بزي رجال شرطة، وتمكنا من دخول المتحف وسرقة 13 عملًا فنيًا نادرًا، بينها لوحات لرمبرانت وفيرمير وديغا. تُقدّر القيمة السوقية للأعمال المسروقة بأكثر من 500 مليون دولار. ورغم مرور أكثر من 30 عامًا، لم يُعثر على أي من تلك القطع، ولا تزال المكافأة المعلنة لمن يدلي بمعلومات تصل إلى 10 ملايين دولار.
## *”الصرخة”: لوحة مسكونة بالسرقة*
ربما لا توجد لوحة في التاريخ تعرضت للسرقة أكثر من الصرخة للفنان النرويجي إدفارت مونك. في عام 1994، سُرقت إحدى نسخها من متحف في أوسلو، لكنها أُعيدت بسرعة. وفي عام 2004، تكررت الجريمة، لكن هذه المرة من متحف مونك ذاته، حيث سُرقت نسختان من “الصرخة” و”مدام”، واستغرق الأمر عامين حتى استعادتهما الشرطة.
## *فان جوخ في القاهرة: “زهور الخشخاش” تذروها الرياح*
لوحة زهور الخشخاش لفان جوخ كانت هدفًا للسرقة مرتين من المتحف المصري للفن الحديث. المرة الأولى عام 1977، أُعيدت لاحقًا. أما المرة الثانية فكانت عام 2010، في حادثة أثارت الجدل حول الإهمال الأمني، حيث تبين أن كاميرات المراقبة كانت معطلة، وأن عملية التهريب تمت بسهولة عبر مطار القاهرة. ورغم التحقيقات، لا تزال اللوحة مفقودة حتى اليوم.
## *بيكاسو أيضًا على القائمة*
في عام 2007، سُرقت لوحتان لبيكاسو من منزل حفيدته في باريس، إحداهما بعنوان حمامة وساعة. ورغم صدمة الأسرة، تمكنت الشرطة من القبض على الجناة خلال أشهر، وأُعيدت اللوحات بسلام، في واحدة من القصص النادرة التي انتهت لصالح العدالة.
## *لماذا تُسرق اللوحات؟*
تُعد اللوحات الفنية هدفًا مثاليًا للسرقة لعدة أسباب:
* قيمتها المادية العالية، خاصة في السوق السوداء.
* صعوبة تتبعها بعد نقلها إلى خارج الحدود أو إخفائها.
* تساهل بعض المتاحف في نظم الحماية، خصوصًا القديمة منها.
* وجود جامعين سريين للفن لا يترددون في دفع مبالغ طائلة مقابل امتلاك عمل فني فريد، حتى لو كان مسروقًا.
## *جهود عالمية لمكافحة سرقة الفن*
ردًا على هذه السرقات، كثّفت المتاحف والمنظمات الدولية إجراءاتها الأمنية:
* إدراج الأعمال الفنية في قواعد بيانات عالمية (مثل قاعدة الإنتربول).
* استخدام تقنيات تتبع متقدمة (RFID، الأشعة تحت الحمراء).
* رفع الوعي الثقافي بقضية الاتجار غير المشروع بالفن، وتدريب موظفي المعارض والمتاحف على الأمن الوقائي.
في النهاية
إن سرقة اللوحات الفنية ليست مجرد جرائم مادية، بل هي هجوم على الذاكرة البصرية والجمالية للحضارة الإنسانية. وبينما تم
استعادة بعض الروائع المسروقة، تبقى العديد من الأعمال طي الغياب، تنتظر من يعيدها إلى الضوء. إنها قصة الفن حين يتحول إلى لغز، بين السحر والجريمة.