الاقتصاد الإسرائيلي تحت النار: سبعة جراح نازفة من حرب الاثني عشر يوماً

كتبت/ مريم سليم

لم تكن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران مجرد جولة عسكرية محدودة كما اعتادت تل أبيب أن تخوضها في الماضي، بل كانت مواجهة شاملة امتدت نيرانها إلى عمق البنية التحتية الاقتصادية للدولة العبرية. للمرة الأولى، تخرج منشآت حيوية عن الخدمة، وتُصاب قطاعات استراتيجية بالشلل، فيما يتلقى المستثمرون إشارات مقلقة من قلب “أمة الستارت أب”.

الضربة الأولى جاءت من الشمال: مصفاة حيفا، التي تمثل العصب الأساسي للصناعات البتروكيماوية، أصيبت بصواريخ دقيقة أدت إلى اشتعال خزانات الوقود وتوقف خطوط التكرير لأيام. شركات مثل “بازان” تكبدت خسائر ضخمة، والسلطات اضطرت إلى تقنين استهلاك الوقود في مناطق الشمال، مما خلق أزمة طاقة حادة في الداخل الإسرائيلي.

ثاني الضربات ضربت تحت الماء: حقلا “تمار” و”ليفياثان” للغاز، اللذان يمثلان مصدر دخل حيوي لإسرائيل، تعرضا لهجمات بطائرات مسيرة انتحارية، ما أدى إلى توقف شبه كامل في عمليات الاستخراج. شركة شيفرون أخلت فرقها الفنية، فيما علّقت مصر مؤقتاً وارداتها من الغاز الإسرائيلي. هذا التوقف هز ثقة الأسواق الأوروبية التي كانت تراهن على الغاز الإسرائيلي كبديل جزئي للغاز الروسي.

الضربة الثالثة جاءت رقمية: شركات التكنولوجيا في تل أبيب كـ”Wix” و”Playtika” عانت من انقطاعات كهربائية وهجمات سيبرانية منسقة أدت إلى توقف خدماتها لساعات. بعض الصناديق الاستثمارية الغربية بدأت بسحب استثماراتها بشكل صامت، وأسهم شركات إسرائيلية في “ناسداك” تراجعت بنسبة تجاوزت 15% خلال أسبوع واحد.

ثم جاء الدور على الطيران: مطار بن غوريون، القلب النابض لحركة الطيران الإسرائيلية، تعرض لقصف متكرر، ما دفع “إلعال” إلى تعليق معظم رحلاتها. أكثر من 14 شركة طيران عالمية أوقفت رحلاتها نحو تل أبيب، وتكدست الطائرات في المدارج بلا وجهة، فيما أعلنت وزارة السياحة عن موسم صيفي “كارثي”.

قطاع الاتصالات لم يكن بمنأى عن النيران: هجمات إلكترونية استهدفت أنظمة “بيزك” و”هوت”، وأدت إلى انقطاعات في الإنترنت والهاتف المحمول في عدة مناطق. حتى البث التلفزيوني الرسمي تعرض لتشويش متكرر، فيما توقفت بعض التطبيقات الحكومية الحيوية عن العمل لساعات، وهو أمر غير مسبوق في بلد يعتمد على التكنولوجيا في كل تفاصيله.

في الجنوب، توقفت مصانع “إنتل” في كريات جات عن العمل بعد تهديدات أمنية جدية. هذه المصانع، التي تنتج رقائق إلكترونية متقدمة تُستخدم في الأسواق العالمية، تم إغلاقها مؤقتاً مما أثار قلق الأسواق التكنولوجية في آسيا وأوروبا. التقارير أشارت إلى أن الشركة تدرس نقل جزء من استثماراتها المستقبلية إلى مواقع أكثر استقراراً.

وأخيراً، السياحة انهارت: الفنادق في تل أبيب والقدس سجلت نسب إشغال لم تتجاوز 15%، والمطاعم والأسواق فارغة، بينما يغادر السياح والعمال الأجانب البلاد وسط أجواء من القلق والترقب. تراجع العملة الأجنبية ساهم في رفع أسعار الصرف، وزاد من الضغط على المستهلك المحلي.

هذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل زلزال اقتصادي كشف هشاشة الأمن الاقتصادي الإسرائيلي حين تتغير طبيعة المواجهة. سبعة جراح، كل منها كفيل بأن يعيد رسم خريطة الاستثمار والإنتاج في إسرائيل. وإذا كانت هذه جولة واحدة، فكيف سيكون الحال في حرب طويلة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى