محمد مطر يكتب: الرعب وسط الكلمات
أطبق الظلام تمامًا على هذه البقعة المباركة من الأرض، وفاحت رائحة الموت في كل مكان، الموت جوعًا، الموت عطشًا، الموت خوفًا، الموت ألمًا، الموت شعورًا، الموت إحساسًا، الموت خذلانًا، إنني أحاول بكل ما أوتيت من لغة أن أنقل إليكم شيئًا لا يمكن نقله، وأن أشرح لكم ما لا يقبل التفسير، ولا نستطيع أن نتحمل معاناة تجربته، إننا نعيش الرعب وسط كلماتهم، والفزع من التداعي مع جميع الكلمات، إننا لم نعد راغبين في تحمل تبعات الحقائق، ولا أن نكون ضحاياها، أو شركاءها، لأننا ببساطة تربينا في مدرسة ضعاف النفوس، الذين أخبرونا بأن الحياة تدفع إلى الموت، ولكن الموت بهذه الطريقة يعد استسلامًا أسهل من أن يقبل به أهلنا في فلسطين….
لعلنا لم نر عتمة أشد من هذه التي تحيط بنا من كل جانب، من وسائل تدمير الروح، والعقل، والجسد، والقيم، والوجدان…
إنني أشعر الآن بالخجل، وأنا أتذكر كيف كنت أجلس منفردًا، في ركن من أركان المقهى وأكتب بقلق عن ضياع السعي إلى المكانة، وعن الآمال الخائبة، والعقبات الصعبة المضنية، وعن الوجوه الزائفة، والمشاعر الكاذبة، ولا تظن أنني أبالغ في شيء، لأنني عشت لحظات في غاية الحزن والضجر، ولأنني في مثل تلك اللحظات كان يبدو لي أنني لن أستطيع أبدًا أن أعيش من جديد، فقد أفقدتني التجربة السيئة، براءة المشاعر، وحسن الظن بالآخرين، أعترف الآن أنه كان تصرف صبياني، بالنظر إلى كل ما يعانيه أهلنا في فلسطين، ولا نملك إلا مشاركتهم آلامهم وآمالهم كتابة وهذا أضعف الإيمان، فليغفر لنا الله عجزنا وقلة حيلتنا وهواننا…
وإلى لقاء إن قدر الله لنا البقاء…