صرخة موظف القطاع الخاص في زمن الكورونا

بقلم: ندا الرشيدي

“إن فاتك الميري إتمرمغ في ترابه” مقولة دائما ما كانت تتردد علي أسماعنا نحن المصريين منذ طفولتنا ومازالت مترسخة في عقول الكثير منا حتى اليوم ، ولكن في العقدين الأخيرين ومع توحش رأس المال وتقلص دور القطاع العام والحكومي وتوغل يد القطاع الخاص في الاقتصاد المصري وكذلك دعم الدولة اللا محدود لرجال الأعمال فتحولت الجملة بالكامل لتصبح كالتالي :

(إن فاتك الميري إتمرمغ في ترابه وإن لم تستطع.. فعليك أن تدفن في تراب القطاع الخاص)
جملة ظريفة كنا نسمعها ونحاول ألا نأخذها على محمل الجد أو بمعني أدق لا نريد أن نغوص في معانيها كي لا نشعر بمرارة الواقع الأليم الذي نعيشه يوماً بعد يوم ونحن نرى أعمارنا تستنزف في العمل لدي شركات القطاع الخاص وكل ذلك نظير مقابل مادي زهيد يساعدنا فقط في مواجهة مطالب الحياة الأساسية من (مأكل وملبس ومسكن ….إلخ).
هذا المقابل المتواضع الذي لا يتيح لفئات كثيرة من الشعب المصري المطحون أن تفكر في رفاهيات تكاد تكون بسيطة وعادية مثل قضاء إسبوع مصيف (ليس في مصيف الأثرياء والصفوة ولكن في مدينة رأس البر أو جمصة) .

ولكن في ظل الوضع الراهن وما تؤول له الأحوال الإقتصادية والإجتماعية ما هو الحال بالنسبة لموظفي القطاع الخاص في ظروف تفشي فيروس كورونا ، أن الأمر الآن يتحول إلي كابوس مخيف وواقع مرير فلقد لجأت العديد من شركات القطاع الخاص والمحال التجارية وأصحاب المهن الحرة إلي إتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات الخاصة بالموظفين والعمال لديها ، بعض تلك الشركات المحترمة جعلت الموظفين ينجزوا أعمالهم من المنزل وبالتالي سيتم صرف رواتبهم بالكامل ، وشركات أخري إضطرت إلي تقليل أيام وساعات العمل اليومي وبالتالي تم تخفيض نسبة من المرتب توازي عدد الساعات المخفضة ، ومن أراد من الموظفين أن يأخذ إجازة فسيتم خصم أيام إجازاته من رصيده السنوي في حين أن الدولة تدعو مواطنيها إلي الالتزام بالمنازل وعدم النزول إلى الشوارع حرصاً علي سلامتهم من إنتشار هذا الفيروس اللعين.
وللأسف هناك بعض الشركات الاخرى قد أعطت لموظفيها إجازة مفتوحة بدون أجر أو بمعنى أدق تم الاستغناء عنهم (ولكن بطريقة شيك) .

وهنا نتساءل.. ما هو مصير موظف القطاع الخاص المسئول عن أسرة كاملة ؟؟ كيف سيدبر إحتياجات أسرته؟؟ للأسف سيكون هناك صراع مخيف ما بين النزول للشارع وعليه يعرض نفسه وأسرته لخطر الإصابة بالفيروس أو يؤثر السلامة ويبقى بالمنزل ، ومن ثم سيتعرض لخطر آخر وهو أن يموت جوعًا هو وأسرته ، وبالطبع لن ننسي هنا أن نفس الحال سيكون للعمالة الغير منتظمة أو كما يقال عنهم (الأرزقية) وهي فئة ليست بالقليلة في مجتمعنا.
نحن الآن نمر بأزمة حقيقية تهدد المجتمع المصري.. أعلم جيداً أن جائحة الكورونا هي كارثة عالمية يشمل صداها كل أرجاء المعمورة ولكن بالخارج القطاع الخاص يتخذ حزمة من الإجراءات الاجتماعية والتكافيلة التي تزيح الهم والمعاناة عن كاهل المواطن البسيط وهي بطبيعة الحال بعيدة عما يتم التعامل به هنا داخل مجتمع العمل المصري.

نعلم جيداً أن الدولة تعمل جاهدةً كي تحمي المواطن المصري من هذا الفيروس اللعين ، ولكن يجب أن نعلم أن نسبة العاملين بالقطاع الخاص تُشكل ما يقرب من ٨٠ % من العاملين في مصر أي في حدود الـ 30مليون موظف وعامل يذهبون إلى أعمالهم يوميا وبالتالي معظمهم سيذهبون في توقيت متقارب وسيكون هناك تكدس في المواصلات العامة وطبعاً الجميع مُضطر لذلك من أجل (لُقمة العيش) وهنا سنكون أمام اشكالية كبيرة وهي تواجد أعداد وتجمعات غفيرة في الشارع مما سيعرض الجميع لخطر الإصابة بالفيروس لا قدر الله.
فرجاءًا من مؤسسات الدولة أن تستمع إلى صرخات ضحايا القطاع الخاص وتوليهم الإهتمام اللازم وأن تقوم بإصدار قرارات تُلزم أصحاب الشركات والمصانع الخاصة بتنفيذها مثلما ألزمت القطاع العام بها وأن تتسع مظلة التكافل الإجتماعي لتشمل الجميع موظفي القطاع الخاص والدولة على السواء.

حقيقة دامغة.. موظف القطاع الخاص دوما ما يدفع الثمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى