ميزان القول والفعل

بقلم.. آلاء شورى

هل حقا الفعل أهم من القول؟ هل هو الأقوى؟ ، هل يكفي وحده لإستمرار العلاقات؟

من وجهة نظري المتواضعة إنه مجرد إعتقاد سائد غير صحي نفسيا لكل من آمن بذلك.

فدائماً نسمع شكاوى الناس من قلة الأفعال و كثرة الكلام ظناً منهم بأنه “من كثرت أقواله قلت أفعاله وربما إنعدمت بالكلية” وأن من يقول دون أن يفعل هو في الحقيقة كاذب أو مدعي أو حتى مزدوجا لشخصيته.

و كذلك قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) وبهذه الآية الكريمة ندرك جيدا أن القول يجب أن يصدقه الفعل وهذا مؤكد عند أغلب الناس كما أكده القران الكريم،ولكن هل العكس أيضا مؤكدا او حتى مهما لدى البعض؟

 

الحقيقة أن البشر لا تهتم كثيرا بإثبات القول كإثبات الفعل، الحقيقة يا سادة إنه ميزان تام ودقيق بين الفعل والقول ، ما أن اختل أحداهما فلا قيمة للآخر.

ليس الفعل من هو الأهم كما يتصور البعض. فقد قال (ص) {وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ } فلماذا تُعَد الكلمة ضرورية؟ يمكن أن نسمع اللسان المعسول بل والمنافق في بعض الأحيان ولكن ينقصه إثبات مايدعيه بالفعل،فلا قيمة لكلامه حينها،و على النحو الاخر , فمن الممكن أن يقدم إنسانا كل ما لديه من أفعال و شهامة و مروءة و نبل و لكن تنقصها لكلمة الطيبة للغير،لايتفوه إلابكل ما هو سلبي للآخرين حتى و إن كان يرى و يعرف الإيجابي من صفاتهم،و هنا لن أقول أن لا قيمة لافعاله بل لها قيمة كبيرة, فقط القيمة و ليس التاثير الداخلي،ذلك التأثير الدائم المستمر و اللاوعي وهو نفسه الشعور الذي يجعل الشخص دائما منتظرا و محبا و متشوقا لرؤية من يعرف أنه يراه بصورة جميلة،يراه طيباً،حنوناً،خجولاً،كريماً،شجاعاً،متديناً،أو حتى صادقاً…

 

و العديد العديد من الصفات الحميدة التي كلما غرست أنت بذرة قولك بها،نَمَت و أزدهرت و ترعرعت أكثر فأكثر،فقط بمجرد تفوهك بكلمة طيبة لم تنقصك شيئا ولكنها زادتك غلاوة عند من صارحت و مقاما ًعند من عبدت،فقد قال الله عز وجل (ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) فالكلمة الطيبة لها التأثير الأكبر و الأعمق على النفس البشرية عن الأفعال و المجهود المتناثر أوالخفي أحياناً.

فإن الكلمة واضحة ومباشرة بالمعنى المنوط بها،أما الفعل فهو غير مباشر. لذلك فالفعل يجب أن تصدق الكلمة عليه أوتنفيه. فمثلا ًأن كنت تحب شخصاً ما،و قررت أن تهاديه فقل له مباشرة ًهذه الهدية لأنني أُحبك و لأني أرى انها تليق بك.

 

أو بعد مساندتك لصديقك في موقف شدة ما عليك أن تخبره كم أنه كان من الصعب عليك أن تراه في مثل هذه المحنة وحده وأنه من أقرب الأصدقاء إلى قلبك. وكم تتمنى له كل الخير لأنه يستحق. حقا غيركاف أن تساعدي أمكِ بالمنزل وترتبي غرفتِك كل صباح و تتسامرين وتضحكين معها،بل الأفضل هو أن تخبريها كم أن أكلاتها حقا طيبة المذاق وأنها كِل شيء في هذه الدنيا , و أنها إمرأة قوية لتدير هذا المنزل الممتلئ بالمسئوليات والمهام وربما المشاكل أيضا كما إنها أعظم هدية من رب السماء قد تحظى بها فتاة،هل تتخيلي أنها لن تتذكر عندما بذلت كل هذا المجهود الكبير في مساعداتها في المنزل وستتذكر فقط عندما أخبرتيها كم هي جميلة وحنونة وعظيمة ،هل تتخيلي كم العطاء المتضاعف الذي ستقدمه هذه الأم نتيجة لمجرد كلمة طيبة في حقها،كل هؤلاء لا ينكرون فضل الأفعال المنيرة لحياتهم،لكن أين الكلمات المنيرة لقلوبهم،أين أسهم الإعجاب المصيبة لنفوسهم،فكل منا يحتاج أن نسلط الضوء المباشر على جانب جميل في شخصيته. قال تعالى { اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ} .

لهذا قد أكد الإسلام على أهمية كلماتنا الطيبة للغير لأنها الأهم والأبقى ، فأحيانا قد نؤذي أناساً بكلماتنا اللاذعة التي لا نُلقي لها بالاً، و أحياناً أخرى نرفع بها شخصًا قد غرق في بحر من الإحباط و الإهانة. وبهذا تعتبر الكلمة الطيبة طريقًا الى الجنة عندما قال الله تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أو والعياذ بالله طريقا إلى النار وذلك في قوله تعالى )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ( وأضاف الرسول (ص) {إن الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ}.

لذلك فمنتهى الإتزان أن يكون لدى الإنسان السوي والمؤمن الفكرة السليمة في عقله، والكلمة الطيبة في لسانه، والواقع الفعلي في حركته. و هذا يتطلب مرتبةً عاليةً من الحكمة وجهاد النفس. فعلى كل منا أن ينطق بلسانه قبل عمله، ويؤكد بعمله على كلماته، ويظهر نواياه بطيب كلماته ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى