“إنهيار أسطورة بنت الجيران”

بقلم / أحمد القاضي

 “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”

 “وإذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتما و عويلا”

أحمد بك شوقي

“بنت الجيران” هي بطلة قصص الحب والهيام التي أشعلت قلوب الشباب عبر أزمنة طويلة، وألهمت البعض ليتغزّلوا بها، وليترقبوا طلّتها في الحي وفوق السطوح، كثيراً ما تكرر تجسيد تلك القصص والمشاهد في الأفلام القديمة، وكانت تلك القصص تبرز الكثير من الإحترام المتبادل بين العاشق والمعشوق وغالبا ما تنتهي النهايات السعيدة كعادة الأفلام المصرية عبر العصور ولكن ما هو مصير تلك العلاقة بعد قطع الروابط الإجتماعيّة بين الجيران وبعد ظهور السيد شاكوش أفندي بأغنيته “التريند العالمي” بنت الجيران ، لقد أُبتدع الفن من أجل الرقي بالقيم الإنسانية ومواجهة التطرف والتشدد المذموم، ومن هذا المنطلق فقد خُلق الإبداع لرسم عقل ووجدان المتلقي ولكن مما لا شك فيه أن الأجيال القادمة حتما ستدفع فاتورة هذا التدني الأخلاقي والتردي اللامقبول في القيم ، وسيظهر تأثير ذلك واضحا على السلوك الجمعي لفئة ليست بالقليلة من مجتماعتنا العربية لاحقا.

إن معادلة النجاح لأي فرد في حياته العملية تتوقف على مدى قبول المجتمع لنجاحاته ومن ثم عليه بذل المزيد من الجهد من أجل الحفاظ على نجاحه وتقديم أفكار جديدة تشعر الاخرين بقيمته “الرؤية والمهمة” ، ولهذا لا مجال للمقارنة بين نجاح شخص مجتهد بدأ حقا من تحت الصفر وتقدم بخطوات متسارعة لينافس وبقوة على جائزة أفضل لاعبي العالم إنه “المو صلاح” فخر العرب الحقيقي والذي حفر أسمه بحروف من نور في التاريخ المصري الحديث وأصبح القدوة والمثل للأطفال والصبية الصغار، أما مقارنة نجاحة بما يطلق على نفسه الأسطورة أو بنجاحات مهرجي المهرجانات فهي حتما غير منطقية وغير مقبولة خاصة من حيث ربط النجاح بالرزق فمن وجهة نظري “ليس كل رزق نجاح وليس كل نجاح رزق“، قد يكون النجاح في بعض الأوقات إبتلاء يقضى على صاحبه ويدفعه دفعا إلى “مزبلة التاريخ”.

ونذكر دور الرقابة على المصنفات الفنية .. أليس ما يقدمه هؤلاء المعتوهين هو مصنف من مصنفات الفن اللائي عليكم مراقبته والبحث عن الإسفاف وعهر المحتوى ، وما هو الفرق إذن بين ما يقدمه هؤلاء وما تقدمه ممثلات عفوا  الافلام الإباحية “البورنو”  أوليسوا في التصنيف الفني يندرجن تحت مسمى “ممثلات” وهل هذا يعني أنهن من الممكن أن يتم الحاقهن بنقاية المهن التمثيلية مثلا ، ولنعد بذاكرتنا لسنوات سابقة وقت ظهور ما يسمون أنفسهمبـ”عبده الشياطين” وموسيقاهم الشهيرة “البلاك ميتال” هل من الجائز السماح لهم بالإلتحاقبنقابة المهن الموسيقي أو ماشابه.

من يرصد الواقع الحالي يشهد إنهيار قيم كُثر لم يخطر ببال أي منا يوما بأن يكون ذلك واقعا ملموسا في مُجتماعتنا للأسف فها هورب الأسرةيحتسي كأس الخمر أمام أولاده ، وها هي الام ترقص بالسكينفي الأفراح وأعياد الميلاد وكذلك الإبن الصغير يدخن السجائر مع شقيقه أمام باقي افراد الأسرة دون أي رهبة أوخوف من العقاب ، ناهيك عن معلم الأجيال الذي يشارك ويتبادل مقاطع الفيديو الساخنة مع طلابه وطالباته دون أيما إحراج أو خجل.

بطبيعة الحال إن مقياس نجاح أي فيلم سينمائي هو عدد الإقبال الجماهيري على دور العرض وقت نزول الفيلم ، كما أن مؤشر نجاح الكليب أو الأغنبية هو عدد ال views التي تظهر أسفل مقطع اليوتيوب ولكن هل الإعلام الخاص هو السبب فى إنهيار منظومة الأخلاق فى مصر؟ وهل الإعلام الموازي ووسائل التواصل الإجتماعي أحد أهم أسباب هذا الإنفلات الإخلاقي اللا محدود ؟ نعم وبشدة وأغلبه يسلط الضوء على النماذج السلبية وإنتاج أفلام هابطة بألفاظ سوقية محتواها (جنس – مخدرات – وسرقة) حتى أن بعض الإعلانات التجارية لم تسلم من الألفاظ والمناظر السوقية.

هل من المنطقى أوالمعقول أن نطلق على ما يفرض على مسامعنا في الشارع المصري حاليا بأنها موسيقى أو فن؟؟ فهي قطعا لا ترتقي لأن تكون حتى مونولوج كما كان يقدمه الراحل محمود شكوكو وثلاثي أضواء المسرح في ستينات وسبعينيات القرن الماضي ، فكان المنولوج مع بساطة كلماته ابدا لم يكن سخيفا أو شاذا أو منحطا.

أما اليوم فالموسيقى والكلمات تحض على العنف أو المجون أو الإنحطاط الخلقي ، فليس من المعقول أن يتراقص العروسان والمدعوون في أفراحهم وكانهم متعاطين للمخدرات أو ينظرون لبعضهم البعض نظرات شهوانية ويتطلعون في السقف ويكأنهم يتحدثون مع كائنات فضائية مع فتح الفم ونفش الأنف وخروج اللسان بطبيعة الحال..هل هذا فن ؟؟ هل هذه مظاهر فرح مقبولة!!

قولا واحدا أنا مع الإبداع الحر النزيه ،ولكن في نفس الوقت أطالب بتقنين الخطوات التي تبرز لنا فنا راقيا نتركه خلفنا هدية لأجيالنا المقبلة.

واذكر ان جيلنا وما تربينا عليهم من مطربين “الزمن الجميل” حينما غنى السيد/ مصطفى قمر “يا ناس انا دوبت في دباديبه” تعرضت الغنوة للإنتقاد الشديد ومن قبلها جيل أحمد عدوية من كلام المسترسل الغريب في المعنى “السح الدح امبوو” ولكنه ابدا لم يكن فجا منحطا كما عليه الحال في أغاني مهرجاناتاليوم.

إن ظهور هذا الكائن الأعرج الغير مكتمل النمو ذوالعجلات الثلاث “التوكتوك” لهو السبب في أغلب تلك الكوارث التي ظهرت في مجتمعنا خلال العشرون سنة الأخيرة، فهو صندوق أسود صغيريجري على ثلاث عجلات غالبا ما يقوده شخص غير مستقر نفسياً لم يكمل تعليمه آثر أن يبدأ حياته العملية مبكرا بالتوغل في الحارات الضيقة والأزقة كما أنه يتفنن في السير عكس الإتجاه ، ولديه شعور دفين بأن الكون مسخر من أجل إمتاعه هو بمفرده مع قناعته الراسخة بأنه لا توجد حكومة “فهو الحكومة

ان أحد أهم اسباب إنهيار منظومة الأخلاقغياب القدوة الصالحة فمهما كانت الضغوطات الحياتية ، ستبقى وستظل المثل والقيم العليا التي تربينا عليها ويتخذ منها العقلاء ميزاناً يزنون بها أعمالهم هي دليل اي فرد كي يتمكن من تحقيق أهدافه في الحياةويحكم بها على تصرفاته المادية والمعنوية..

في نهاية هذا الطرح أود ان أخص بالذكر والشكر كلا من:

  • شكرا أحمد السقا على نجاح فيلم إبراهيم الأبيض ، شكرا لأحمد عز على أولاد رزق ، شكرا لمحمود عبد الغني على النبطشي وعمرو سعد على حديد ومحمد رجب على سالم أبو أخته وغيرهم ممن شاركوا في أفلام الواقعية السحرية “حلاوة روح وبون سوارية وجيم اوفر ووش سجون وولاد البلد وشارع الهرم ..الخ”.
  • شكرا محمد سعد باشا على مجموعة افلام ذات القيمة مثل (اللمبي وعوكل وبوحة وكركر وتتح وبوشكاش)
  • شكرا لشركات المحمول الكبرى التي إستفادت من شهرة نجوم الفن والطرب الجدد من خلال ما يسمى بالمساهمة المجتمعية الفعالة للشركات وأحسنت إستخدامهمفي حملاتهم الإعلانية.
  • شكرا سعد بيه الصغير وشكرا باشمهندس محمود الليثي و الفنانة بوسي ودكتورة الفلسفة المحترمة دينا على الفن الهادف الذي قدمتموهلمسامعنا وامتعتهم به ابصارنا.
  • شكرا لمجموعة السبكي على إسهاماتهم الراقية التي سيذكرها التاريخ بكل فخر وستنقش على جداريات المعابد المصرية بالذهب والعنبر.
  • شكرا لمجموعة قنوات دربكة والمولد وتوكتوك والاسطورة وحبيشة وزلزال وعش البلبل ودلع وصهللة وما على شاكلتهم.
  • شكرا لكل من ترك الحبل على الغارب لكل من تسول له نفسه خنق الفكر المصري وتقبيح كل ما هو جميل.
  • شكرا لكل من قتل الإبداع وشارك عن قصد او عن دون قصد في إسفافة لطيفة خفيفة.

أخيرا وليس آخرا

  • إلى المدعو “نمبر وان” أنت حقا رقم واحد في الإنحطاط ، رقم واحد في الإسفاف ،رقم واحد بلا منافس في الشبع بعد الجوع.
  • أما أنت يا جزار الماضي وبيكا الزمن الحالي.. أزعم أنك واهم إن كنت تعتقد بأن رب الكون ميزك بهذة الميزة المذمومة الحقيرة.
  • وأنت أيها الشاكوش الأرعن الأهوج ذو الصوت الملائكي “كفاك رقعا وهبدا في قيمنا وثوابتنا الأخلاقية”
  • واخيرا يا شطة أفندي فدعني أؤكد لك بأن إضافتك للفن المصري ستصيب المجتمع بما يمكن تسميته بـ”بواسير الذوق المتردي”

 

عذرا للإطالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى