الإتِّصَالِ الرُّوحَيّ والشُعُور عَنْ بُعْدٍ

بقلم/ نور القاضي

 

هَلْ أَدْرَكْت يَوْمًا مَعْنَى (التواصل الروحى) ؟ ! ! هَل وَصَلَت يَوْمًا لِمَعْنًى (الشعور عَن بعد) ؟ ! !
سَمِعْنَا كَثِيرًا عَنْ مَوْضوعٍ (التواصل الروحي) وقَرْأنا كَثِيرًا عَنْهُ وَلَكِن_عزيزى القارىء_هَل تَعْتَقِد بِوُجُودِهِ أَوْ هَلْ عِشْتُ فِي هَذَا الْإِحْسَاس يَوْمًا ؟!!
قَرَأْنَا عَلَى مَدَار الْأَزْمِنَة عَن (الاتصال الروحى) ووَجَدْنَا أَنَّه بِالتَّأْكِيد مَوْجُودٌ. ذَلِك (الاتصال الروحي) الَّذِى يَجْعَلَك تشعر بِمَن تُحِبّ عَنْ بُعْدٍ وتَحِسّ بإحساسه وكَأَنَّك مَوْجُودٌ مَعَه وَتَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مُؤَكَّدٌ مِن شعورك بِهِ وَاحساسك بِه .
فَإِذَا رَجَعْنَا للماضى قَبْل طَفْرَة وَسَائِلُ الإتِّصَالِ الْمَسْمُوعَة والمرئية سنجد ذَلِك (الإتصال الروحي) فِى أَقْوَى صِوَرُه ؛ عِنْدَمَا نَجِد أُمَّهَاتِنَا وابائنا الَّذِينَ كَانُوا يَشْعُرُون بِنَا رَغِم طُول الْمَسَافَات؛ رَغِم صُعُوبَة الِاتِّصَال (المادى) ولَيْس الإتصال (المعنوى)؛ ولَكِنَّهُم يَشْعُرُون بِنَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي كُلِّ مَكَان .

و سنجده فِي أَجْمَل وأَصْدَق صُورَة بَيْن الْأَحِبَّاء الَّذِينَ هُمْ عَلَى قَدْرِ عالى مِن التَّواؤُم والتَّفَاهُم والْإِحْسَاس وصَدَق الْمَحَبَّة مَا جَعَلَهُمْ عَلَى تُوَاصِل وَشُعُور دَائِمٌ بِبَعْضِهِم الْبَعْض رَغِم الْمَسَافَات ورَغِم (البعد)؛ فَإِذَا كَانُوا عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَةُ مَنْ التَّوَاصُلِ والْإِحْسَاس إذْنٍ مَا مَعْنَى الْمَسَافَات ؛ فَهُنَاك مَا هُوَ أَكْبَرُ وَ أَرْقَى مِنْ التَّوَاصُلِ المادى الْمَلْمُوس جَمَعَهُم وجَعَلَهُم أَقْرَب .
نَعَم (صدق المحبة) أَهَمّ الْعَوَامِل الْمُؤَثِّرَةِ فِي ذَلِكَ التَّوَاصُل وتُلَاقِي الْأَرْوَاح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الأرواح جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ومَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اختلف) صَدَق رَسُولِنَا الْكَرِيم؛ وكَثِيرًا مَا نَجِدُ مِنْ هُمْ فِي نَفْسِ الْمَكَانِ والزَّمَان ولَكِن تَبَاعَدَت أَرْوَاحَهُم وافْتَقَرُوا لِمَعْنًى التَّوَاصُل والتَّفَاهُم سواء عَنْ بُعْدٍ أَوْ عَنْ قُرْبٍ وكُلّ طَرَفٌ فِي فَجْوَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْآخَرِ فَلَا شُعُور ولَا إحْسَاسَ .

ووُجِدَت أَسْمَى مَعَانِى الِاتِّصَال و(التواصل الروحى) والرُّوحَانِيّ فِى صلتنا وعلاقتنا بِاَللَّه (عز وجل) فتواصلنا بِاَللَّه (سبحانه وتعالى) لَا يَحْتَاجُ لعوامل مَادِّيَّة فَلَا زَمَان ولَا مَكَانُ؛ وَحْدَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ يَعْلَمُ بِنَا وَمَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا؛ نَدْعُوه بِالْغَيْب فيجيينا؛ ونَطْلُب قُرْبه وعَوْنُه فيمدنا؛ وأَخْبَرَنَا اللهُ ذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . . . ) سُورَةِ الْبَقَرَةِ (ايه 186)و كذلك قَوْلُه: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) (61) سورة هود.
و لَيْس (التواصل الروحي) يَكُون فَقَطْ هُوَ التَّوَاصُل رَغِم بُعْدٍ (المكان) ولَكِن أَيْضًا هُوَ تُوَاصِل رغم بُعْدٍ (الزمان) ونَجْدَه فِى أَرْقَى صوره فِي إيمَانُنَا بِالْغَيْب بِأَنْبِيَاء ورُسُلُ اللَّهِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الْعَوَامِل الْمَادِّيَّة والزمنية لِذَلِكَ فَلَا كَانَ وُجُودُ لَنَا فِى هَذِهِ الْأَحْقَابِ ولَكِنَّه (ايمان روحى) واتِّصَال أَقْوَى مِنْ كُلِّ الماديات.

وَضَرَب لَنَا سَيِّدِنَا يَعْقُوب (عليه السلام) أَرْوَع مِثَال في( التَّوَاصُل الروحي) و(الشعور عَن بعد) فِى تواصله وشُعُورُه بِابْنِه (سيدنا يوسف) (عليه السلام) رَغِم زَعْمِهِم بِأَنَّه أَكْلُه الذِّئْب وتَقْدِيمِهِم لِلدَّلِيل المادى (القميص) وَلَكِن شعور(سَيِّدِنَا يعقوب) الَّذِى ارتقي لَيَكَاد يَكُونُ أَقْرَبَ مِنْ (اليقين) أَقْوَى مِنْ أَىِّ دَلَائِل مَلْمُوسَة فَهُوَ عَلَى (اتصال روحي) بِابْنِه فَيشعر بِهِ وَ(يجد ريحه) (إنى لَأَجِدُ رِيحَ يوسف)؛ عَنْ أَيِّ اتِّصَالُ نَتَحَدَّث و عَنْ أَىِّ شُعُور ويَقِينِ نوصف إنَّهَا (روحانيات الأنبياء).

و نَذْكُر أَيْضًا الْوَاقِعَة الَّتِى حَدَثَت عَام (645)ميلاديا (23)هجريا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عمر بْن الخطاب) أَثْنَاء خِلَافَتِه والَّتِى اُشْتُهِرَت بِحَادِثَة (سارية الجبل) عِنْدَمَا كَانَ (عمر بْن الخطاب) عَلَى الْمِنْبَرِ وَصَاح (يا سَارِيَة . . الجبل) و كَان سَارِيَة قَائِد جَيْش إسْلَامِيّ يُحَارِب الْفَرَس؛ و كَانَ الجَيْشُ محاصرا مِنْ الْفُرْسِ فَلَمَّا سَمِعَ سَارِيَة هَذَا الْهَاتِف (يا سَارِيَة الجبل) لَجَأَ إلَى جَبَلٍ قَرِيبٌ لِتَأْمِين جَيْشِه ونَجَح فِعْلًا فِي هَزِيمَةِ الْفَرَس بِفَضْل هَذَا (الاتصال الروحي)؛ ولَمَّا رَجَعَ سَأَلَ عُمَرَ بْنِ الخطاب عَنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فأكدها لَهُ عُمَرُ .
و يُحَدِّثُ هَذَا بَيْنَ الْمُتَحَابِّينَ الَّذِين تَرْبِطُهُم عِلاقَة (روحية) بِبَعْضِهِم الْبَعْض؛ ويُحَدِّث أَيْضًا يَوْمِيًّا مَعَ بَعْضِ النَّاسِ فِى (أحلامهم) فَهُمْ عَلَى مَوْعِد مَعَ مَنْ يُحِبُّون ومِن افتقدوهم وفارقوهم احياءاً كَانُوا أَم أَمْوَاتٌ فَيُتَرجَم كُلُّ هَذَا فِي صُورَةِ (حلم)؛ نَرَاهُم ونحدثهم ونَشْعُرُ بِهِمْ ويشعروا بِنَا وَنتواصل مَعَهُم؛ فَمَهْمَا كُنَّا نفتقدهم بِشِدَّة وتَمْنَعْنَا الْمَسَافَات عَنْهُمْ وَيشغلوا دَوْمًا تفكيرنا ونَشْتَاق لَهُم بِصِدْق؛ لَا تعنينا الْمَسَافَات ولا يمنعنا الْفِرَاقُ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ والتَّوَاصُل مَعَهُمْ فِي (احلامنا).

 

مِن تُشْعِرُ بِهِ يُشْعِرُ بِك أَيْضًا . . لُغَة الْأَرْوَاح لَا تخطىء . . فَلَا يُشْتَرَطُ أَبَدًا وُجُودِ مَنْ نُحِبّ بجنبنا لنشعر بِهِم؛ فأرقى إحْسَاس وأَصْدَق شُعُور هُو (الاحساس عَن بعد)؛ الْإِحْسَاس بِحَالٍ مِنْ نُحِبّ إذَا كَانَ فِي ضِيقِ أَوْ فِي فَرِح؛وتواصل أفكارنا بأفكارهم فَكُلُّ شَخْصٍ فِيهِم يَتَوَاصَل مَعَ مَنْ يُحِبُّ ولَكِنْ فِي عَالَمِ مِنْ نَوْعِ آخَرَ (عالم الخيال) حَيْثُ لَا قُيُود ولَا مَنْطِق . . لَا قَانُون وَلَا مَادَّةَ . . لَا زَمَانُ وَلَا مَكَانِ . .

عَالِمٌ يعيشه فَقَط الصادقون فِى الْحَبّ والْإِحْسَاس ؛ أَصْحَاب النُّفُوس الصَّافِيَة . . أَصْحَاب السَّلَام الدَّاخِلِيّ؛ وَحْدَهُم فَقَطْ مِنْ يمتلكون هَذِهِ الْمَلَكَةِ وَالْمَوْهِبَة الرَّبَّانِيَّة .
تِلْك الْأَشْخَاص هُمْ مِنْ يتمتعون بِهَا وَيحظون بِهَا.. تِلْك الْأَشْخَاص أَطْلَقُوا الْعِنَان لخيالهم ورُوحَهُم الْمُضِيئَة تتواصل مَع أحبائهم مِنْ الْأَرْوَاحِ النَّقِيَّة.

فَأَنَا أُومِن بِوُجُود هَذَا (الاتصال الروحي) الْأَكِيد . . و أَنْت عزيزى القارىء هَل تُؤْمِن بِهِ أَيْضًا ؟!!

إن للأرواح عالم مُختلف عن ما تراه في عينيك الماديتين، والمحبين حقاً هم أكثر قُدرة على إتقان فن يُسمى “التخاطر بين القلوب”، خاصةً إذا تآلفت أرواحهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى