من قال «نعم» في وقت كانت الـ«لا» حتمية

بقلم / محمود عبد الرحمن


هل تجلس الآن منطويًا على ذاتك؟، طاقتُك صفر، همتُك صفر، سَبَقَكَ من حولك بسنين ضوئية في إثبات قوتهم وفرض آرائهم، هل تشعر بتقزمك حين تصرخ بأعلى صوت حتى انتفاخ أوداجك ولا أُذُن تستقبل؟ كلماتك تخرج من فمك ببطء وبضعف إلى فضاء واسع فلا تجد مستمعًا.
هل أنت موجودٌ أصلًا؟ أليس من الممكن أن تكون دمعةً على خد بائس في جوف ليل مظلم نزلت ونسيت فتبخرت، تحسس الآن جسمك بيدك، واقرص فخذك لتتأكد أنك مازلت حيًا.

يا هذا، أنت تركت نفسك وتهاونت في حقها لتتحول إلى ذلك المسخ فاقد الآدمية والأهلية، أنت من قال «نعم» في وقت كانت الـ«لا» حتمية.
أنت الذي حرص على إرضاء الناس وآثر رأيَهم ونصَّبه المحرك الأهم لدنياه، أنت من ظَلَمَ روحَه، واستعبد نفسه باختياره وبكامل إرادته، في وقت كان تحييد تقييمات الآخرين أفضل ما قد تحققه في حياتك.
أنت الذي عاش بضآلة رأيه وتعامل مع مبادئه بانهزامية وتخاذل، فلا تنتظر أن يُتَقَبَّل منك، أنت الذي اتجه -بشكل لا واعي- نحو تملّق الآخرين والبحث عما يناسبهم من أفكار وسلوكيات، كـ«الوطواط» يتلمس طريقه بالأصوات والذبذبات المرتدة منهم، بمعزل عن صوته واحتياجاته الشخصية.


شخص تحكمت فيه طرائق تفكير العقل الجمعي وآراء وميول المجتمع، شخص طمس نظرياته وتجاربه، ما انتزع فردانيته وحوله لجزء من قطيع يسير دون إرادة منه ولا قرار له.
«لم يعد لدي شيء أخسره، ولم يعد بإمكان أي شيء أن يؤذيني، فحياتي مسرحية هزلية وقد سئمت التظاهر بعكس ذلك، أنتم يا من تشكلون النظام الذي يعرف كل شيء، تقررون ما الصواب وما الخطأ» هكذا قال آرثر في فيلم الجوكر.

أنت، اختارك القدر لتعيش مع أناس يقتاتون تصيد الخطأ ويتزودون بإقصاء الفكر، لم يتعلموا ثقافة الاختلاف ولم يمارسوها كما ينبغي، ولم يتعاطوا المختَلَفَ عليه بلمحةٍ نقديةٍ متسامحةٍ محفزة.
قل: «لا» وتخلص من آفة إسعاد الآخرين
قل: «لا» ولا تخش فقدان الأحبة
قل: «لا» للاحتفاظ بما تبقى من خصوصيتك
قل: «لا» ولا تخش فخ الندم
قل: «لا» لتعيش باستقلال
قل: «لا» لتقوية سياجك النفسي ولحماية حدودك الشخصية، قلها بفاعلية
حطم تلك الدمية مسلوبة الإرادة، وتبوأ مقعد القائد فى مركبة الحياة، اعرض مشاعرك بموضوعية –أو بدون- سواء غضب أو ملل أو انزعاج، التي إن تراكمت سببت لك الإحباط والاستسلام.
وأخيرًا، يقول روبين شارما: «التغيير صعب في البداية، وفوضوي في المنتصف، ورائع في النهاية».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى