“هدم الثوابت”

بقلم/ خلود هاني

علي مدار الأعوام الأخيرة في عمري ظللت أكرر علي نفسي العديد من الأسئلة التي لم أجد لأياً منها إجابة وافية منطقية حتي الآن؛ هل أنا حقاً مشوهة نفسياً؟ هل فعلاً تخطيت كل تلك التجارب التي مررتُ بها في حياتي أم أنني دفنتها بعيداً بداخلي؟
دعونا نذهب سوياً إلى رحلة لنناقش فيها عدداً من الثوابت الموجودة في مجتمعنا والتي قد يكون من الصعب تخطيها أو إنها بالفعل جعلت منك أو من غيرك شخصاً مشوهاً قليلاً، وفي تلك الرحلة سنحاول هدم تلك الثوابت اللعينة ومناقشة سبل الخروج من سجن تلك التشوهات النفسية..

 

• “ما إحنا إتضربنا وإحنا صغيرين وطلعنا كويسين أهو وزي الفل”
قد تكون شخصاً صادف تلك العِبارة علي مدار حياته سواء قائلاً أو مستمعا لها. دعني أخبرك يا عزيزي أنه من المستحيل أن ينتج عن تلك التجربة شخصاً سويًا! كما أنه يوجد العديد من السيناريوهات التي قد تفرزها لنا تلك التربية مثل:
⁃ شخصاً ضعيف الثقة بالنفس، ذو شخصية مهزوزة تتقلب بين الخوف والقلق.
⁃ شخصاً ذو ميول عدوانية يميل إلى تفريغ طاقته في أن يُصبح عُدواني الطباع مع كل من حوله.
⁃ شخصاً قد يصمت ويتظاهر بالتخطي ولكن بداخله قد يكون كارهاً لمن تسبب له في تلك التجربة حتي إن كان هؤلاء الأشخاص هم أهله الذين لم يريدوا له سوى الخير.

و إذا بحثنا حولنا سنجد أنه من المرجح أن ذلك قد يكون سبباً منطقيا من أسباب زيادة جرائم العُنف المنزلي والعديد من المشاكل الأخرى التي قد تنجُم عن كُره الشخص لمنزلِه وظروفه والبيئة المحيطه به.

• “وفيها إيه يا بنتي لما أقعد قٌريب ليكي دانا أد أبوكي حتى”
لطالما أحتلت تلك الجملة التي قد تصدر من بعض الأشخاص في المواصلات العامة أو حتي في بعض تجمعاتنا العائلية موقع الدهشة في نفسي! فليس هناك ثمة مبرر أو سبب قد يعطي أي شخص الحق في أن يقتحم المساحة الشخصية لشخصٍ آخر، لطالما أيضا تعجبت من رد هؤلاء علي فتاة إشتكت من إقتراب شخص ما بطريقة غير لائقة لا تقبلها بجملة كهذه أو ما يشابهها، وقد يكون فعلاً هذا الشخص متحرشاً أو ذا نوايا سيئة.

علموا أولادكم حدود مساحتهم الشخصية والتي لا يحق لأي ما كان إختراقها مهما كان! حَدثُوهم جيداً عن تلك التجارُب ولا تجبروهم على قبول ما لا ينبغي قبوله، لأن ما قد نسكت عنه اليوم قد يكون شبح الذي يطاردهم في الأعوام التالية.

• “أستحملي عشان خاطر بيتك وعيالك ما كل البيوت فيها المشاكل وأغلب الرجالة بيضربوا أو بيزعقوا لمراتتهم”

“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم – ٢١

“امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ” (سفر المزامير 128: 3)

 

لطالما حثت الأديان السماوية جميعا علي أن الزواج علاقة مقدسة أساسها وبنيناها قائم على المودة والرحمة. هي رحلة يتشاركها شخصان حتي يخففا وطأة الأحمال والأعباء المعيشية الصعبة علي بعضهما البعض! لذلك علموا أولادكم قدسية تلك العلاقة وكيفية إحترام بعضهما البعض ،علموهم ايضاً مهارة إختيار الطرف الآخر، ولا تجبروا اياً منهما علي الإستمرار في علاقة مرهقة بذريعة وجود الأطفال لأن ذلك لن يخلق أبدا أطفالاً أسوياء ولكن سيقدم للمجتمع أطفالاً معقدين نفسيًا نشئوا في بيت غير مُستقر مُستباح فيه كل ألوان العنف من ضرب وإهانة وسب للمرأة وبالتالي ينشأ جيل آخر يتقبل ويَصنع ويُصدر الأهانات للطرف الآخر!
الطلاق ليس وصمة عار ولا يعيب المرأة في شئ بل أنه أحيانا قد يكون خطوة واجبة لإصلاح إختيار خاطئ مع إستحالة المعيشة.

 

و في النهاية، الحياة صعبة بكل ما تحمل الكلمة من معني تتخللها العديد من الصعوبات التي تُعرقل سلام المرء النفسي، لذلك بدلاً من أن نكون حملاً إضافياً علي بعضنا البعض لما لا نكون سنداً ومعيناً علي تحمل مساوئ الحياة وصعوباتها؟
إن كنت قد تعرضت إلي شئ أو تجربة لم تستطع تخطيها تحدث عنها، اذا أصبحت شبحك ولم تستطع التخلص منها يوما ما اطلب المساعدة من شخص متخصص أو تحدث عن مُشكلتك مع من حولك، أبحث في دائرتك عن شخص تثق فيه يكن لك عوناً معيناً علي مجابهة صعوبات الحياة.

وأخيراً حاول دائما أن تساعد أو تكون من هؤلاء الذين يتحدثون أو يحاولون كسر ثوابت المجتمع الخاطئة، حتي تستطيع مساعدة شخص آخر كي لا يمر بما مررت أنت به ولا أن يشعر بما شعرت أنت به، كي تستطيع أن تؤثر إيجابيا علي تغير ثقافة المجتمع الخاطئة من حولك..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى