نور القاضي تكتب: شىءٌ مِن الخوّف

(الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة) نجيب محفوظ
إن من أشرس آفات النفس البشرية مرض شنيع إسمه (الخوّف).

والخوف له أنواع متعددة، الخوف من المجهول، الخوف من المستقبل، الخوف من المواجهة،الخوف من الموت، الخوف من كل شيء. فهو حقا إذا تَمَكَّن من النفس جعلك تخاف من كل شيء. فإذا ما أصاب النفس جعلها نفساً تائهة عديمة الرضا والإيمان، مُشتتة التفكير مصيرها الفشل. وإذا تحدثنا بشيء من الصراحة لنجد أن مرض الخوف دائماً ما يصيب النفوس ضعيفة الإيمان سيئة الظن بالله. لأنها دائما تتوقع الأسوأ مخالفة بذلك ما أمرنا به الله عز وجل. معدومة الثقة في الله وفى نفسها. فبالتأكيد (الخوف) ليس من صفات الإنسان السَّوِيّ المؤمن بالله كامل الإيمان. فإذا آمنا بالله بقضاءِه وقدرِه وتوكلنا على الله حق توكلُه فماذا الذي يُخِيفُنا؟ وماذا الذى يمنعه الخوف اذا إستسلمنا له ليقُودنا؟ وماذا الذي سَيُغيِّره إذا تركنا أنفسنا لسيطرته؟ لا شىء سوى الفشل المحتم والندم فيما بعد لأنك أنهيت حياتك بسبب الخوف وجعلته يَتَمَكَّن من نفسك وروحك وسجنت نفسك وجعلتها تعيش في دائرة الخوف التى ستمنعك بالفعل من الحياة.

(الخوف من الحسد) نرى أنه من أبرز أنواع الخوف ونراه منتشراً بشكل كبير للغاية في مُجتمعاتنا. فكثير من الناس تُقَيد حَيَاتهَا بل وتُوقِف حَيَاتهَا بسبب الخوف من الحسد. بِلَا شك أن الحسد مذكور في القرآن الكريم ونؤمن بوجوده ولكن مذكور أيضاً وقايتنا منه فلا نجعل خوفنا منه يُصْبِح أكبر من إيماننا بالله. فَمِثْل مَا نُؤْمِن بوجود الحسد والخوف من الناس فنحن نُؤْمِن أَيْضَاً بوجود رب الناس. فالله خيرٌ حافظاً يحمينا ويقينا ويمنع عَنَّا كل سوء. فلا نجعل الخوف من الحسد يُسيطِر على حياتنا ويمنعنا من الإستمتاع بها ولنجعل قوة إيماننا بالله أكبر من أى خوف.

 

الخوف والثقة في النفس شيئَان لا يجتمعان في نَفْسٍ وَاحِدَةٍ و النجاح لا يأتي إلا بعد العديد من تجارب الفشل.

(من يتصرف بدافع الخوف يظل خائفاً ومن يتصرف بدافع الثقة في النفس يتطور) “روجر فريتس”. فإذا كنت تخاف من الفشل فلتعلم أن التجارب الفاشلة ليست إلا إكتساب للمزيد من الخبرات لتُثقلك وتجعلك أكثر إتقاناً وخبرة فلا تجعل خوفك من الفشل يُعِيقَك عن النجاح.

وكما قال (نيلسون مانديلا) فى مقولته المأثورة (الشُجاع ليس هو الشخص الذي لا يشعر بالخوف بل هو الشخص الذى ينتصر على مخاوفه) فَتُصْبِح إنْسَانًا ناجِحاً عندما تطرد الخوف من نفسك وتستقبل الثقة في النفس والإيمان بذاتك وبقدراتك. فكل إنسان لديه من القُدرات المختلفة عن أى شخص آخر وكل شخص يتمتع بقُدراته الخاصة التى تظهر عندما يكون لديه الإيمان والثقة بنفسه. فمن المؤكد أن الشخص الناجح ليس هو الشخص عديم الخوف بل هو من تغلب على خوفه وأصبح أكبر وأقوى منه.

 

ونجد إن من أبرز مداخل الشيطان لقلب الإنسان هو إلقاء الخوف والحزن في نفسه وروحه. فإن الخوف والحزن أَيْضَاً شَيْئَان مُرتبِطان ببعضهما البعض اِرْتِبَاطًا وَثِيقًا. لِذَلِك دائماً يَحُثُّنا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ترك الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ والثقة في الله والتوكل عليه لِأَنَّهُمَا يُنْهِيَان الرُّوح تدريجياً ويُوقِفَان الْحَيَاة قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فى الآية رقم 30″سورة فُصَّلت “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ” فَارتَبَط الْمَعْنَيَان (الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ) فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِع فى القرآن الكريم وَاسْتَعَاذ مِنْه رَسُولِنَا الْكَرِيم أيضاً فى كثير من دعائه فقال (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزن والعجز والكَسل وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ) فإن الهم والحزن نتيجة مؤكدة للخوف الذي حذرنا الله سبحانه وتعالى منه.

وفي النهاية _عزيزى القارىء _لاتجعل لِلْخَوْف مَكَاناً فِي نفسك وأملىء قلبك بالإيمان والطمأنينة وحسن الظن بالله وَلتُدرِك وَلتَعِش قول الله تعالى (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). فالخوف لايمنعك من القدر ولكنه يمنعك من الحياة. ولا تخلق في نفسك شَبَحًا كَبِيرَاً يَلْتَهِم رُوحَك ويقضي على مُتعَتُك فِي الْحَيَاةِ. شَبَحَاً خِلْقَتِه بِنَفْسِك دَاخِل نَفْسِك ليس مخلوق من شيء سوى (شىء من الخوف).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى