شريف الريس يكتب: برد الاحتلال ودفئ الوطن

على وقع الدمار المتواصل والحرب المدمرة التي يشهدها قطاع غزة، تطل أزمة إنسانية جديدة بوجه قاسٍ، وهي معاناة الفلسطينيين مع قدوم برد الشتاء القارس. لقد تسببت الأحوال الجوية السيئة، وتحديداً المنخفضات الجوية التي ضربت القطاع مؤخراً، في تحويل ملاجئ النازحين الهشة إلى مستنقعات طينية تضاعف من مأساتهم التي لا تنتهي.

إن عبور منخفض جوي واحد على القطاع كان كافياً ليكشف عن عمق الكارثة الإنسانية. فمع هطول الأمطار الغزيرة وتحول الشوارع إلى سيول جارفة، غمرت المياه آلاف الخيام المنتشرة في مختلف مناطق النزوح. بالنسبة لعائلات فقدت منازلها وكل ما تملك جراء القصف، كان هذا المطر يعني خسارة ما تبقى لديهم من أفرشة وأغطية كانت هي خط الدفاع الأخير ضد البرد، لتصبح هذه الأسر بلا مأوى حقيقي ولا غطاء يوفر الدفء.

لقد أكدت الأمم المتحدة حجم هذه المأساة، مشيرة إلى أن أكثر من 13 ألف أسرة تضررت بشكل مباشر من الأمطار والفيضانات التي اجتاحت مخيمات الإيواء. هذه الأرقام المخيفة تعني أن آلاف العائلات فقدت “القليل” الذي كانت تمتلكه، لتعود إلى نقطة الصفر في مواجهة العوز والبرد.

من جهتها، دقّت الأجهزة المدنية الفلسطينية في قطاع غزة ناقوس الخطر، محذرة من تداعيات الأمطار الغزيرة والكوارث الطبيعية على مئات الآلاف من النازحين. وحسب تصريحات المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة ، فإن ما يقدر بـ 500 ألف أسرة نازحة تقيم حالياً في ظروف بالغة الصعوبة داخل خيام ومراكز إيواء لم تُصمم لمواجهة الشتاء. هذه التجمعات البشرية الهائلة، التي تعتمد كلياً على المساعدات، تجد نفسها بلا حماية أمام غضب الطبيعة.

أكد الدفاع المدني على أن الأزمة تتفاقم بسبب العوائق المفروضة على دخول المساعدات الأساسية. فبالرغم من البرد والأمطار، لم يتم حتى الآن إدخال عدد كافٍ من الخيام الملائمة والمقاومة للسيول إلى قطاع غزة، مشدداً على أن الاحتلال لم يلتزم بتسهيل مرور هذه المواد الإغاثية الحيوية.

إن ما دخل حتى الآن من المساعدات الإنسانية لم يتجاوز الـ 15% من الاحتياجات الفعلية للقطاع. هذه النسبة الضئيلة تجعل الأجهزة المدنية في وضع لا يُحسد عليه، حيث صرّح المتحدث قائلاً: “لا نستطيع الاستجابة للعديد من الاستغاثات نتيجة قلة الإمكانيات”. ففي ظل منخفض جوي لا يمكن للخيام الرقيقة أن تصمد أمامه، ومع غياب الأدوات والموارد اللازمة لإنقاذ وإغاثة المتضررين، تتحول كل قطرة مطر إلى تهديد لحياة النازحين.

إن شتاء غزة، هذا العام، ليس مجرد فصل برودة عادي؛ بل هو فصل تتضافر فيه ويلات الحرب مع قسوة الطبيعة، ليشكلا معاً كارثة إنسانية تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً وكبيراً. فالبرد ليس عدواً يُمكن هزيمته بالأمل وحده، بل يتطلب أغطية، ووقوداً، وملاجئ صلبة، وهي سلع نادرة لا يملكها الفلسطينيون المحاصرون حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى