مني النمر تكتب: هل رأيتُ الله …؟
سؤال قد يبدو صادما للوهلة الأولى ، لكنه في جوهره سؤال فطرة قبل أن يكون سؤال عقل …
فنحن لا نرى الله بأعيننا ، لأن البصر محدود ، والله مطلق ، لكننا نراه بقلوبنا حين تتجرد الروح من مغريات الحياة ، ونلمسه في آثار رحمته ، ونشهد حضوره في تفاصيل حياتنا التي تمر أحيانا دون أن ننتبه …
لم أرَ الله رؤية عين ، لكني رأيته يقينا …
رأيته عندما سترني . رأيته حين أخطأت ولم يفضح أمري ، وحين ضعفت ولم يكسر نفسي ، وحين منحتني الحياة فرصة جديدة دون أن أسأل …
الستر ليس غياب الحساب ، بل حضور الرحمة ، وقد قال الله تعالى: ﴿إن الله غفور رحيم﴾، وغفرانه لا يعني أن الإنسان بلا خطأ ، بل أن الله يفتح باب الرجوع مهما تكرر السقوط …
ورأيته عندما جبرني ، رأيته حين خسرت أشياء ظننت أنها لا تُعوض ، فإذا بي أُعطى طمأنينة تجعلني أحتمل الخسارة دون أن أتحطم …
الجبر الإلهي لا يغير الواقع دائما ، لكنه يغير القلب ، ومن تغير قلبه هان عليه كل شيء …
قال الله تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا﴾، وعد لا يتخلّف ، لكنه يحتاج صبراً ويقيناً …
رأيته حين وقف بجواري في أوقات لم يقف فيها أحد …
حين ضاقت بي الدنيا ، وتعقدت الأسباب ، وخذلني الأحباب و التفسيرات ، فوجدت سكينة لا أعرف مصدرها ، لكنها كانت كافية لأكمل الطريق …
هناك فهمت معنى قوله تعالى: ﴿وكفى بالله وليًا﴾، فالله لا يخذل من احتمى به ، حتى وإن تأخر الفرج …
رأيته في الدعاء الذي خرج من القلب دون ترتيب ، وفي الدموع التي سبقت الكلمات. فالله يسمع ما لا نقوله ، ويفهم ما نعجز عن شرحه ، فكم من دعاء حسبناه لم يُستجب ، ثم أدركنا لاحقا أن الله اختار لنا خيرا لم نكن نراه…
ورأيته في التأخير ، حين ظننته حرمانا ، ثم اكتشفت أنه كان حماية ، فبعض الأمنيات لو تحققت في وقتها لأفسدتنا ، وبعض الأبواب لو فُتحت مبكرا لأرهقتنا …
الله أعلم بنا من أنفسنا ، فقد قال: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم﴾. هذه الآية لا تُفهم إلا بعد التجربة ، حين ننظر إلى الوراء ونفهم الحكمة …
ورأيته حين منحني صبرا لم أكن أظن أنني أملكه ، وقوة ظهرت في لحظات كنت أعتقد فيها أنني انتهيت …
رأيته حين حفظني . قال النبي ﷺ: «احفظ الله يحفظك»، فالحفظ ليس أن تُعفى من البلاء ، بل أن تُحفظ من الضياع ، من اليأس ، من الانكسار الكامل …
رأيته حين كنت على وشك السقوط ، فإذا بي أقف ، لا بقوتي ، بل بعناية لم أرها ، لكني شعرت بها .
لم أرَ الله كما تُرى الأشياء ، لكني رأيته في لطفه ، في تدبيره ، في رحمته التي تسبق غضبه ، وفي قربه الذي لا يحتاج إلى مسافة …
قال تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾، قرب لا ننتبه إليه إلا حين نحتاجه .
فإن سألني أحد:
هل رأيتُ الله …؟
سأقول نعم …
رأيته في الستر ، في الجبر ، في الصبر عند المصيبة ، في الطمأنينة ، في كل مرة ظننت أنني وحدي فاكتشفت أن الله كان معي طوال الطريق …
رأيته لأن قلبي شهد ، ومن شهد بقلبه ، اطمأن ، ومن اطمأن ، رأى …



