لقاء فكري للشباب حول كتابة السيناريو بالأعلى للثقافة

تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، والدكتور أشرف العزازي؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عُقد لقاء فكري حول كتابة السيناريو، تحدث خلاله السيناريست أحمد محمود أبو زيد، وقد جاءت هذه الفاعلية الثقافية في ختام سلسلة محاضرات مبادرة: (القوة في شبابنا)، وشهدت فعاليات المبادرة حضورًا واسعًا من الشباب المهتمين بمتابعة مختلف جوانب الثقافة والإبداع.

استهل السيناريست أحمد أبو زيد حديثه انطلاقًا من تجربته الشخصية موضحًا أن كثيرًا من الكتاب يبدأون من فكرة واحدة أو “خط قطار” على حد وصفه، ينطلقون منه لتتوالد شخصيات وأحداث جديدة تفتح آفاقًا غير متوقعة، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن الكاتب المحترف لا يستطيع أن يظل أسيرًا للحظة الإلهام أو لانتظار شخصية جديدة تفرض نفسها على النص، فالإبداع الحقيقي في رأيه يحتاج إلى مهارة وخطة عمل واضحة، وأوضح أن الاعتماد على “التجليات المفاجئة” فحسب لا يكفي؛ فالمحترف مطالب بأن يكتب باستمرار، حتى في غياب الشرارة الإبداعية لأن الكتابة أشبه بالعضلة التي تقوى بالممارسة اليومية، وأضاف أن الإلهام بطبيعة الحال قد يزور كاتب السيناريو أحيانًا، إلا إنه في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون الأساس الأوحد لبناء مشروع درامي متكامل، خصوصًا في ظل ضغط القائمين على الإنتاج خلال تنفيذ الأعمال الدرامية.

وانتقل أبو زيد للحديث عن العلاقة بين الكاتب ومنظومة الإنتاج، لافتًا إلى أن ظروف التصوير قد تفرض أحيانًا كتابة مشاهد للبطل قبل اكتمال الخط الدرامي الكامل، وهنا تظهر أهمية امتلاك الكاتب خريطة عامة (Outline) للمسلسل أو الفيلم الذى يعكف على إنجازه، فوجود تصوُّر أوَّلي لكل حلقة وخط تطور لكل شخصية يمنحه المرونة للتعامل مع هذه المواقف دون ارتباك أو تضييع لجوهر العمل، وتوقف أبو زيد عند نقطة محورية في عملية الكتابة، وهي العصف الذهني، موضحًا أنه يمثل أداة أساسية للسيناريست في توليد الأفكار، وبناء احتمالات متعددة لمسار القصة، وأشار إلى أن جلسات العصف الذهني سواء الفردية أو الجماعية تتيح للكاتب أن يطرح أسئلة مفتوحة مثل: “ماذا إن حدث كذا؟ أو كيف سيتصرف البطل إذا وُضِع في هذا المأزق؟”، وهو ما يحوّل اللحظة الإبداعية العابرة إلى سلسلة من الاحتمالات يمكن تنقيحها وتطويرها حتى تصل إلى صياغة ناضجة، وأكد أن العمل الدرامي الجاد لا يقوم فقط على الموهبة أو لحظات الإلهام فحسب، بل على الجمع بين الخيال الحر، العصف الذهني المنظم، والانضباط المهني، مشيرًا إلى أن الاحتراف يعني الاستعداد الدائم لمتطلبات فريق الإنتاج، وليس انتظار ثمة لحظة سحرية أن تأتي كما يعتقد البعض، وتابع لافتًا نظر الشباب إلى أن كتابة السيناريو كمهنة لها أدواتها ومنهجها، لا مجرد تدفق لعدة لحظات عابرة، قائلًا: “على كاتب السيناريو المحترف ألا ينتظر لحظات الإلهام فقط، بل يصنع فنه بخطته ومهارته وعصفه الذهني”، ثم تطرّق إلى بعض المراجع العالمية في كتابة السيناريو، مشيرًا إلى كتاب السيناريست الأمريكي “بلايك سنايدر” وعنوانه: “أنقذ القطة” (Save The Cat)، الذي أحدث أثرًا كبيرًا في عالم كتابة السيناريو، وأوضح أن جوهر هذا الكتاب يقوم على فكرة أن البطل، مهما كانت طبيعته قاسية أو مظلمة، يجب أن يظهر في المشهد الأول وهو يقوم بفعل ما يجعل المتلقي يتعاطف معه، وقال: “حتى لو كان البطل قاتلًا محترفًا أو شخصية سيكوباتية، يلزمه من البداية أن يظهر جانبه الإنساني، مثل أن يهتم بأمّه ويرعاها، أو أن نشاهده يسقي زرعته، أو ينقذ طفلًا صغيرًا؛ فيقع المشاهد في التعلق بهذا البطل رغم تناقضاته”، وفي هذا السياق استشهد بفيلم: (American Sniper)؛ حيث يظهر البطل قاتلًا في ميدان المعركة، بينما تكشف حياته الخاصة عن ارتباطه بوالدته، واهتمامه بتفاصيل بسيطة كالعناية ببيته ونبتته الصغيرة، وهذا التناقض هو ما يصنع التباين الدرامي بين القسوة والحنان، وهو سر قوة الشخصية المركبة.

ثم انتقل أبو زيد للحديث عن البنية الدرامية باعتبارها العمود الفقري لأي عمل ناجح، موضحًا أن البنية الكلاسيكية المعروفة باسم Act Structure (بداية – وسط – نهاية) هي الأكثر انتشارًا في الدراما العالمية والعربية على السواء، لما تمنحه من إحساس بالتماثل والتنظيم وسهولة المتابعة، وقال: “معظم الأعمال الدرامية التي نشاهدها أو نتحدث عنها، حتى المسلسلات التي تتابعها ربات البيوت في المنازل، تقوم على هذه البنية البسيطة: بداية تُقدَّم فيها الشخصيات، ويتبعها وسط يمتلئ بالصراعات والمواجهات، ثم النهاية التي تكشف نتيجة هذا الصراع سواء كانت انتصارًا أو خسارة أو تحولًا جذريًّا في الشخصية”، وأشار إلى أن هذه المواجهات هي التي تختبر قوة الشخصيات وتكشف ملامحها الحقيقية، مؤكدًا أن البنية الكلاسيكية لا تزال ناجحة لأنها تمنح المشاهد شعورًا بالاكتمال، وتقدّم قصة سهلة المتابعة مهما كان موضوعها.

ثم تابع أبو زيد مؤكدًا أن الدراما لا تقتصر على البنية الكلاسيكية وحدها، فهناك أنماط أخرى أكثر تعقيدًا، مثل البنية متعددة الشخصيات والصراعات، حيث لا ينتهي كل مصير بنفس الشكل، بل تتوزّع الخواتيم على عدة خطوط درامية كما نرى في بعض الأفلام الاجتماعية، وأشار إلى البنية الزمنية الحقيقية (Real-Time Structure)، التي تتابع الأحداث لحظة بلحظة تقريبًا، وتجعل المشاهد أسير التوتر المستمر، مستشهدًا بأعمال قد تركز على حدث واحد قصير المدى، لكنه يُقدَّم بكثافة زمنية تشد المشاهد، وقال: ميزة هذه البنية الدرامية أنها تُبقي المتفرج مشدودًا جدًّا لأنها تجري في نفس إيقاع الزمن الحقيقي، فلا تعطيه فرصة للانفصال عن الأحداث، وأضاف أن بعض المبدعين يلجأون إلى أشكال أكثر حداثة مثل البنية المقطعية أو الطيفية (Mosaic/Parallel Structures)؛ حيث تتقاطع عدة خطوط درامية وشخصيات في زمن واحد أو أزمنة مختلفة، ليشعر المشاهد أنه أمام لوحة فسيفسائية متشابكة تخلق بدورها جاذبية خاصة.

وفي مختتم حديثه أكد السيناريست أحمد أبو زيد أن اختيار بنية السيناريو ليس مجرد قرار شكلي يقع بين يدي المؤلف، بل إنه يُمثل جوهر التجربة الدرامية التي تحدّد بدورها كيف سيتفاعل الجمهور مع القصة، وهل سيظل متابعًا حتى النهاية أم سيفقد تركيزه ويتشتت ويمل، فلا شك في أن الكاتب الذكي هو من يختار البنية الأنسب لموضوعه وشخصياته، لا أن يلجأ إلى البنية الأسهل أو الأكثر شيوعًا دراميًّا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى