د. تامر ممتاز يكتب: الطريق إلى حل الأزمة الاقتصادية العالمية.. إنهاء الكساد الكبير

 خبير اقتصادي مصري، مدير عام بأحد البنوك الأجنبية بمصر.

 

الكساد ظاهرة متأصلة في الاقتصاد الرأسمالي، ويُعد أخطر مرحلة تلي فترة ركود طويلة. إنه نتاج خلل في تصميم الفلسفة الاقتصادية الذي يعود إلى القرن الرابع عشر، حيث اعتُمد بشكل كلي على القطاع الخاص. هذا القطاع، بطبيعته، لا يستطيع تحقيق معدلات النمو اللازمة لتلبية احتياجات المجتمع من الإنتاج، ولا توفير الرواتب الكافية لأفراده، ولا حتى توظيف جميع القادرين على العمل.

وقد أدى هذا الاعتماد إلى تزايد الاختناقات في مسارات الاستثمار، وعرقلة توظيف الموارد البشرية، مما عجزت معه الفلسفة الرأسمالية عن توفير حياة كريمة للبشرية. يندهش الناس من وصولهم إلى هذه الحالة من الفقر والجوع، على الرغم من اتباعهم لتوجيهات “الرأسمالية” وسيرهم في المسارات التي رسمتها لهم. للأسف، كانت النتيجة تدهور مستوى معيشتهم بشكل واضح.

الكساد: سماته وتداعياته

خلال فترة الكساد، ينخفض دخل الأفراد عن القيمة العادلة لجهودهم، فيبذلون جهدًا لا يحقق عائدًا كافيًا. وبطبيعة الحال، تُخصم الضرائب من هذا الدخل الضئيل لتغطية نفقات العاطلين عن العمل في المجتمع. يفضل الكثيرون التوقف عن العمل لعدم قدرتهم على إعالة أنفسهم أو من يعولونهم بشكل كافٍ.

تستمر الأسعار في الارتفاع بمعدلات تفوق زيادة الدخل، مما يجعل الناس غير قادرين على الاستهلاك. ومع انخفاض الإنتاجية، تلجأ الدول غير المنتجة إلى الاستيراد والاقتراض لتلبية احتياجات سوقها المحلي. وتكون النتيجة تضاعف الديون بين الدول، متجاوزة القيمة الإجمالية لمنتجاتها الوطنية، إلى جانب انخفاض قيمة عملتها المحلية.

في الدول المستوردة، نلاحظ البضائع راكدة على الرفوف لأن المشترين الراغبين لا يستطيعون دفع ثمنها، مما يسبب خسائر جسيمة للمنتجين. ومن المنطقي ألا يكرر المنتجون تجربة الإنتاج هذه مرة أخرى، فيخرجون من السوق بلا رجعة؛ لأن المنتجات تظل غير مستخدمة حتى تاريخ انتهاء صلاحيتها بسبب نقص الدخل، وبالتالي يتكبدون الخسائر دون تحقيق أي ربح أو حتى عائد.

هذا الانخفاض في العرض، للأسف، يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتوقف دورة الإنتاج. هنا، تحاول الحكومات معالجة الوضع بتغيير سياساتها النقدية والمالية. لكن هذا، للأسف، لن يكون فعالًا؛ لأن المشكلة الأساسية تكمن فقط في الإنتاجية لتلبية الاحتياجات.

تركز السياسة النقدية على أدوات جذب الأموال من الجمهور لتقليل الطلب، مثل رفع أسعار الفائدة. هذا يقلل من القدرة الشرائية للمجتمع، ويدفعهم إلى تأجيل عمليات الشراء بسبب انخفاض توافر النقد لديهم. يتحكم هذا الإجراء مؤقتًا في الأسعار ولكنه يفاقم المعاناة.

يرتفع سعر الاقتراض من البنوك، مما يضطر التجار إلى إضافة التكلفة الزائدة (الفوائد المدفوعة) إلى سعر المنتجات فتزداد الأسعار. وبما أن السوق لا يتحمل أي ارتفاع في الأسعار، فإن وقف العمليات هو القرار الأمثل للمستثمرين حتى لا يغامروا بأموالهم. تنشأ الأزمات المتتالية والمترابطة، كأحجار الدومينو، وتتساقط الواحدة تلو الأخرى حتى تتوقف الاقتصادات عن الحركة.

لقد اكتشفنا أخيرًا أن الفلسفة الرأسمالية تحمل في طياتها عوامل دمارها، والخاسر الأكبر هم البشر. وهذا ما نراه جليًا بعد مئة عام من أزمة عام 1930.

الحل: التركيز على الإنتاجية المتكاملة

لا ينبغي أن نركز فقط على زيادة عائدات النقد الأجنبي أو زيادة استخراج الموارد الطبيعية، لأن هذا وحده لا يخلق حياة أفضل. بل إن الأساس هو خلق الإنتاجية الكافية للاستهلاك من قِبل المجتمع ولصالحه، مما يزيد معدلات النمو، ويرفع مستويات المعيشة، ويقلل الواردات. وهذا بدوره يرفع قيمة العملة المحلية، ويسمح للناس بكسب دخل كافٍ من عملهم للادخار. تستقر الأسعار ثم تنخفض مع زيادة الإنتاجية.

كيف يمكننا تحقيق هذه الإنتاجية عندما يعجز القطاع الخاص عن توظيف المجتمع، ولا يستطيع توليد دخل له أو تحقيق إنتاجية كافية لتلبية احتياجاته؟

الجواب: كلٌّ منا يمتلك عنصرًا من عناصر الإنتاج الأربعة أو أكثر، فيتكامل مع غيره من الأفراد لإكمال دورة الإنتاج في ظلّ الطلب المتزايد. جميعهم يعيشون في منطقة واحدة.

نعم، عناصر الإنتاج الأربعة (الأرض، رأس المال، العمل، التنظيم) موجودة في منطقة واحدة، لكنهم لا يرون بعضهم البعض، فلا يوجد تواصل أو تكامل. والأهم من ذلك، جميعهم لا يعرفون أين يوجد الطلب.

عندما ترى عناصر الإنتاج الأربعة بعضها البعض وتعرف أين الطلب، فإنها ستقوم بإنتاجية لإشباع هذا الطلب تلقائيًا وفقًا للموارد المتاحة. بهذه الطريقة، سنوقف مراحل التدهور، ونحقق معجزة حقيقية في تغيير مجرى الأحداث، وننهي الكساد الكبير، ونحمي الأجيال القادمة من تكرار الأزمة في المستقبل.. بإذن الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى