أحمد القاضي يكتب: التقدير..خسّرنا الكَثير Emotional Intelligence & Management style

الإبتعاد مُؤلم، لكنه أفضل من قُرب بِلا تقدير. فكتور هوجو
“زامر الحي لا يُطرب” و”لا كرامة لنبيٍ في وطنه”

يُضرب هذين المثلين حينما يلقى المرء من جماعته تجهماً ونُكراناً، ويشعر معهم بتدني القيمة وإنعدام التقدير، وغالباً ما يكون الزامر ذا قُدرات عالية وموهبة مُقدرة من الآخرين ولكن سُوء تقدير تلك المواهب وانعدام رؤية هذه المزايا من بعض المقربين يكون دافعاً وجابراً للابتعاد وهجر المكان والبحث عن كيانك في مكان آخر حيثما يتخذ التقدير موضعاً، إن حاجة المرء إلى أن يشعر بأنه موضع تقدير وأهمية واحترام هي التعطش الأعمق في الطبيعة الإنسانية ولا مفر منها لكل بشر سوي ولا مناص.

 

أما “لا كرامة لنبيٍ في وطنه”، فهو قولٌ مأثور، ورد في روايات كثيرة وهو قول نستخدمه عند إغفال شخصية مُهمة أو تهميشها،: “في بلده، في قومه، في أهله، في أرضه”، قد يكون ذلك هو شأن العالم أو الفنان أو العظيم الذي لا يجد في مجتمعه التقدير له حق قَدّره، وخاصة بين ذويه وممن حوله، حيث لا يجد إحترامًا يليق به. بل تجد الغُرباء عنه هم الذين يحترمونه ويُكبرونه، ويعرفون الفضل فيه بينما يتجاهل الأقربون فعل ذلك.

كثير من المبدعين والعباقرة على تنوع التخصصات وعبر كل العصور، كانوا نسيًا منسيًا مغمورين، إن لم يكونوا أحيانا اخرى مُغيَّبين أو مُعذبين. وبعضهم لم يكن يجد قوته ولا ضروريات حياته إلا بشق الأنفس، بل مات بعضهم جوعًا.
انه لمن الأسف أن يفتقر العديد من القادة والمديرين لمهارات التواصل وأساسيات التخاطب الفعالة في إدارة الموظفين أو فريق العمل والتعامل معهم بشكل مُرضي. وحديثاً أصبح على المديرين والقادة التحلي بقدرِ كافٍ من الذكاء العاطفي من أجل الوصول لأعلى مستوى من الأداء. بارعون هم من يقدموا لنا كل الطاقات السلبية دفعة واحدة أو على اقساط، فلا هم استفادوا من طاقتنا ولا هم افادونا بخبراتهم.
كما أن واحدة من علامات عدم التقدير الأكثر وضوحاً، عندما تجد الشخص المقرب منك أو من هو أعلى منك يسعى للتقليل من أهدافك وإنجازاتك ونجاحاتك، وهو ما يحدث جراء مُعاناته من الأساس من الاهتمام الزائد بالنفس أو الغرور والتكبر أو ربما عدم ثقته هو بنفسه، لذا يسعى لتثبيط عزيمتك خوفا من تغيرك بعد تحقيقك للنجاح.

قد يتصادف احدهم مع قائداً او مديراً يستطيع ان يُخرج كل ملكات التفوق والإبداع الكامنة بداخل اي منا، فيكون بذاك قائدا بمعنى الكلمة يعاملك كبشر وليس كآلة، يجعلك إضافة وليس عالة، فلا تُحاول أن تبحث عن الوجه الثّاني من أيِّ شخصٍ حتّى لو كُنت متأكِّد أنّه سيّئ يكفِي أنّه احترمك وقدرك، وأظهر لك الجانبَ الأفضلَ منه.

وكيف يمكن للمرء أن يلوم الاخرين لأنهم لا يقدرونه إذا لم يكن يعتبر نفسه جديراً بالتقدير؟ فالكلام يبقى كلاماً إلى أن تثبته المواقف
وعلى نفس القياس تبدوا في الآفاق مقولات “الشيخ البعيد سره باتع” وهل فعلا “باب النجار مخلع” تضحى دليلاً على عدم إكتراث الشخص بما يخصه أو بمن حوله، كذلك المثل الشعبي الأشهر “مال لحمتك مِشغته.. أصل الجزار مَعرفة” ويكأن تلك المعرفة تظل سبباً لعدم التقدير وقلة الإهتمام حيث يعتقد الجزار بان زبونه لن يتأفأف من سوء حال قطعة اللحم وعليه قبولها كما هي.
ان الاحترام والتقدير هما من أسمى الصفات التي يجب على الإنسان أن يتحلى بها، فالإنسان عندما يقدم للناس احتراماً وتقديراً فهو يعبر عما في نفسه من أخلاقٍ وقيم، ولكن المبالغة في تقدير من حولنا والتمادي في اظهار الإحترام لهم قد يُفهم أحيانا على أنه ضعف الشخصية وتدني الثقة بالنفس ففي هذا الزمن إهتمامنا وتقديرنا الزائد للآخرين غالباً ما يفقدنا بعضًا من كرامتنا، فلا تنتظر مني ما لا أجده فيك.

إنّ تقدير الذات يتعلق بالطريقة التي نحكم بها على أنفسنا، وهناك ميل لدى بعض الناس بالنظر إلى المعادلة من الباب الخلفي فنحن نعتقد أن مظهرنا هو الذي يعزز المستوى من تقدير الذات وتقدير الاخرين لنا، بينما في حقيقة الأمر أن احترامنا لذاتنا وتقديرها حق التقدير يكمن في قدرتنا الحقيقية على رؤية أنفسنا من منظار قيمتها روئيتنا من الداخل وليس من الخارج فقط. حينها لا يمكن لهم سلب احترامنا للذات، إذا لم نعطهم إياها. فليس هنالك أحقر من احترام مبني على الخوف، فتُعجبني الأرواح الراقية التي تَحترم ذاتها وتَحترم الغير، تَطلب بأدب تَشكر بذوق وتَعتذر بصدق.

عَزاؤنا أعزائي الأعزاء بأن ذلك كان دأب الأنبياء والمرسلين على مر تاريخ البشرية فهم لم يُقَدَروا من غالب أقوامهم وكانوا في أقصى درجات المعاناة من صلف أقوامهم وتكبرهم وتجبرهم، حتى رب الكون عزّ وجل وهو المنزه عن التقييم وهو حق التقدير لم يُقدره الكُفار حق قَدره كما ذُكر في الآية الكريمة من سورة الزمر
“وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ” صدق الله العظيم
اخيرا:
أخطأت إذ أتيت من أرضٍ رحّبت بك لأرضٍ طردتك، فليس بعد الزيادة إلا نُقصان، أخطأت إذ تدنيت، أخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير في أهلك بعد أن وجدته في غيرهم..

• قوّض خيامَك عن دار ظُلمت بها وجانب الذُل.. إن الذل يجتنب
• وارحل إذا كانت الأوطان مضيعةً..فالمندلُ الرطب في أوطانه حطب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى