أيمن عزت يكتب: كلمة السر رشا
عندما يُشخص طبيب حالة مريض ويكتب له دواءً يقتله لا يعالجه فكلمة السر رشا.. عندما ترى عمارة أو برجًا سكنيًا ينهار بعد بنائه بفترة قصيرة فوق رؤوس ساكنيه حاصدًا أرواحهم فكلمة السر رشا.. عندما ترى شخصًا لا يعرف أن يكتب اسمه أمام المصالح الحكومية ينجز لك طلبك في دقائق معدودة فكلمة السر رشا.. عندما ترى مفلس العلم والفكر يتولى المناصب فكلمة السر رشا.. فأينما كان الفساد وُجِدتَ رشا.
فإن رشا امرأة لعوب تملك الكثير من الحيل والطرق الملتوية، فهى تفتن القلوب وتسحر العيون بجمالها وسحرها الذى يخدر الضمير ويذهبه فى نوبة سبات عميق.
ورشا مصطلح ساخر للرشوة، والذى أطلقه الفنان الجميل خلقًا وفنًا أحمد حلمي في فيلمه “عسل أسود” الذى ناقش العديد من القضايا الاجتماعية المهمة بأسلوب ساخر أو ما يطلق عليه “الكوميديا السوداء”، ورغم كثرة ما واجهه من معاناة إلا أنه لم يحقد على بلده أو يكرهه، بل إنه لم يستطع أن يبعد عنه مرة أخرى كما رأينا في نهاية الفيلم، ليجسد لنا صورة الإنسان السوي المحب لبلده لأنه يعلم أن هذا الفساد متمثلا في البعض وهم قلة ولكنهم يسيئون للكثير من الموظفين والمواطنين الشرفاء.
لا أحد يستطيع أن ينكر ما يبذله الرئيس وحكومته من مجهود ومحاولات مضنية للقضاء على الفساد بجميع أشكاله وصوره، ولكن لن تستطيع الدولة تحقيق ذلك وحدها، فنحن كمجتمع وأفراد لنا دور كبير للوصول لهذا الهدف النبيل، فلابد أن يكون داخل كل واحد منا وازع سواء كان دينيًا أو خلقيًا يمنعه من أن يؤذى نفسه قبل أن يؤذى الآخرين سواء كان نفسيًا أو بدنيًا، فداخل كل منا صوتٌ ليس مسموعًا للآخرين يحاسبنا على ما نقوم به من أفعال إما بالمدح أو العتاب، ونحن من نجعل هذا الصوت يقظًا جهورًا حسب صلتك بربك وحُسن خُلقك، أو نقتله ونخنقه بالمسكنات والتغافل وضعفنا أمام إغواء رشا وفتنتها.
ولكن اعلم يا من ضعفت واستسلمت لسحرها وبريقها الأخاذ، أنك ستتذوق مرارة هذا الكأس، لأنك عندما زاغ بصرك وخضع لقلبك لمفاتنها ورحت تنهل من عسلها الذى رغم حلاوته إلا أنه يحمل السم بين طياته وينشره في جسدك، الذى تحاول أن تنميه وتجعله بناءً صلبًا جميلًا – وأقصد بجسدك بيتك وأبناءك، فيكفيك أن تتدبر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ” ما نبت لحم من سحتٍ إلا والنار أولى به” وهذا فيما احتواه معنى الحديث وليس نصًا.. وليس الإسلام فقط مَنْ ينهى الفساد ولكن كل الأديان تنهى عن الفساد والغش وكل ما يضر الإنسان، لأن مصدر جميع الأديان واحد وهو الله عز وجل، ولن يأمرنا الله بالفساد أبدًا، وإنما يأمرنا بما فيه الخير لنا ولغيرنا.
فلك أن تتخيل إذا انهار أحد العقارات الذى تغافلت عن الغش في مواد بنائه مقابل حفنة من المال، وكان يسكنه أحد أفراد عائلتك وشعورك بأنك السبب في إزهاق روحه.
ولك أن تتخيل إذا ما ذهب ابنك لطبيبٍ ليداويه فإذا به يقتله سواء بتشخيص أو دواء خاطئ، وتذكرت بأنك كنت سببًا في وصوله لهذه المكانة التي لا يستحقها.
يا سادة إن الموضوع جدٌ خطير، ويستحق أن نقرع ناقوس الخطر بقوة، فعندما يجد المتفوق المجتهد مَنْ دونه علمًا وفكرًا قد أخذ مكانه عن طريق رشا وأساليبها المتنوعة، فإننا نصنع قنبلة موقوتة بأيدينا لتنفجر فيما بعد في وجوهنا، فتخيل معى ما يحمله هذا الذى تعب وسهر الليالى يحلم بأن يحقق هدفه بالوصول لمكانة مرموقة في المجتمع مفيدًا لنفسه وبلده، وهو يرى حلمه يتبخر في الهواء لأن هناك من أخذ مكانه بأى طريقة ملتوية وهو يعلم أنه لا يستحق هذه المكانة، من حقدٍ وكرهٍ للمجتمع لإحساسه بأنه مجتمع ظالم وليس فيه عدل، وهنا يكون صيدًا ثمينًا وفريسة سهلة للجماعات الإرهابية أن تسيطر على عقله، وهنا تكون الكارثة لما يتمتع به هذا الشخص من نبوغ وذكاء ولكن هذه المرة سيكونان موجهين ضد المجتمع.. أو يستغل هذا النبوغ في عمليات النصب والاحتيال، أو غير ذلك وكلها ليست لصالح المجتمع الذى نرجوه، والاحتمال الأخير أن يسافر إلى خارج البلاد ويستفيد غيرنا من نبوغه وعلمه وقد يصبح عالمًا ذا شأن عظيم إذا ما وُضِعَ في مكانته التي يستحقها.
فنحن جميعًا نعمل من أجل رفعة هذا البلد وتقدمه، ولن يتحقق ذلك إلا بتقدير عقول أبنائنا النابغين المتميزين، والعمل على تنميتهم وتحفيزهم لنجنى أفضل ما فيهم وتتحقق الإفادة المرجوة منهم لبلدنا العزيز على قلوبنا مصر، فيا ليت يراقب كل منا ضميره ويسأل نفسه هل ما أفعله هذا لمصلحة بلدي أم لا؟
وأخيرًا تحيا مصر دائمًا وأبدًا برجالها الشرفاء.