محمد مطر يكتب: مات أبي.. فماذا تعلمت؟
كنت دائمًا أردد أن قمة طموحي هو ألا أترك شيئًا للموت، فقد كنت أحسب الموت حينها بعيدًا جدًا، وأن أمامي متسع من الوقت، وأن أوان الغرغرة لم يحن بعد..
لكنني عرفت بعد موت أبي “رحمة الله وبركاته عليه”، أن الإنسان لا يدري متى تنسدل ستارة حياته، وعلى أي مشهد تكون خاتمته، فماذا تعلمت من موته؟
إنني مديون له بهذا التغيير الذي أحدثه موته في تفكيري رغم ادعائي التفلسف والعقلانية، فلم أعد أرى الأشياء كما كنت أراها من قبل، لقد أزال موته غشاوة عن عيني فبدا كل شيء بلا سحره المعهود، بلا زينة ولا بهرجة، وأن هذه الدنيا أتفه من أن يُجرى وراءها.
لقد تعلمت أن أعيش حياتي بحثًا عن طمأنينة وستر، لا بحثًا عن تميز وانتصار.
لن أخاصم أو أشاحن أخًا أو أختًا، أو صديقًا أو جارًا، أو زميلًا في العمل.
صرت أستتفه أن أحرق أعصابي، أو أستنزف طاقتي في معارك لا الفائز فيها سيتوج، ولا الخاسر يستحق، وإنما يُعرف المرء بمعاركه…
لن أغضب من أولادي إذا جاءت علاماتهم المدرسية أقل مما أريد، بل سأحبهم أكثر وأخبرهم دائمًا أنهم رائعون، وأنها ليست نهاية الدنيا…
لن أخاصم زوجتي، بعنادٍ ويباسة رأس، ولن أغلف حبي لكل من حولي بقشرة من قسوة، سعيًا لانتصار زائف للكرامة، فمن يدري من يقف على جثمان الآخر مودعًا…
لقد تعلمت كل هذا وأكثر من أبي حيًا وحيًا لأنه أبدًا لا يموت من أنجب أبناءً صالحين أو هكذا أدعي…
وإلى لقاء إن قدر الله لنا البقاء…