شريف ربيع يكتب: التنافس الدولي
نعيش في صراعات منذ أن خُلقنا، ومع تقدم العصور أضحى التنافس الدولي ظاهرةً تُعد وجهًا من أوجه التعامل بين الدول، بل صارت سمةً غالبةً ومؤثرة في معظم التعاملات الدولية خاصةً فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي؛ نظرًا لتقاطع المصالح وتعارضها في مختلف المجالات؛ مما يحتِّم سيادة التنافس في العلاقات الدولية.
ومن أبرز صور التنافس الدولي الاقتصادي هو التنافس على الثروات الطبيعية، وعلى رأسها المعادن النادرة، وهذا التنافس ليس قاصرًا على القوى الكبرى كالصين وأميركا فحسب، بل يشمل قوى دولية أخرى فاعلة ومهمة مثل الدول الأوروبية؛ فقد اتسعت المنافسة بين بكين وواشنطن والدول الغربية بالتزامن مع اكتشافات المعادن الثمينة كالذهب والفضة، وهذا الأمر ينطبق كذلك على اكتشافات النفط والغاز؛ وعلى إثر ذلك اندلعت الصراعات والحروب حول المناطق الغنية بتلك الموارد؛ ما يعني زيادة التنافس على الثروات والموارد بالتزامن مع كل اكتشاف جديد، وبطبعية الحال فإن الاكتشافات السابقة تحتفظ بأهميتها.
ومع التقدم التكنولوجي زادت أهمية بعض الثروات المعدنية كالمعادن الأرضية النادرة؛ فهي عماد ذاك التطور التكنولوجي الهائل، فلا يوجد منتج من تلك المنتجات التكنولوجية دون استخدام هذه المعادن؛ فهي تدخل في معظم الصناعات كالصواريخ وتوربينات الرياح، والأجهزة الطبية، والأدوات الكهربائية، والهواتف المحمولة، ومحركات السيارات الهجينة والكهربائية، وغير ذلك.
وربما يمكن الحصول على مثل هذه المعادن النادرة في أنحاء متعددة من العالم، لكن يصعب وجود احتياطيات كبيرة منها في بعض الدول، وربما لا يكون لدى البعض الآخر القدرة على استخراجها وتطويرها وتوسيع نطاق استخداماتها؛ وهذا يزيد التنافس ويؤجِّج الصراعات بين القوى الاقتصادية الكبرى لدرجة السعي للسيطرة عليها وامتلاكها؛ مثل أميركا والصين وأوروبا.
وبلغة الأرقام، فإن كفة الصين أكثر رجحانًا من غيرها فهي القوة المهيمنة على سوق تلك المعادن، والمتحكمة في سلاسل التوريد؛ لأنها أكبر منتِج وأكبر مصدِّر لها، ولديها أكبر احتياطي من المعادن النادرة على مستوى العالم؛ فحجم إنتاجها في عام 2020م بلغ نحو 140 ألف طن بنسبة 58% من الإنتاج العالمي المُقدَّر بحوالي 240 ألف طن، علاوة على امتلاكها احتياطيًّا يُقدَّر بنحو 44 مليون طن من إجمالي الاحتياطي العالمي البالغ حوالي 120 مليون طن وَفْقَ تقديرات عام 2020م. هذه الإحصاءات دفعت واشنطن إلى تكثيف جهودها من أجل إنهاء الهيمنة الصينية على سوق هذه المعادن، عن طريق اتخاذ خطوات واسعة للنهوض بسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، وتطوير بدائل لتعدين تلك العناصر؛ إذ يصل الإنتاج الأميركي من تلك المعادن لحوالي 38 ألف طن متري؛ أي نحو 16% من إنتاجها.
وفي ضوء هذا التنافس الاقتصادي حول الهيمنة على سوق المعادن الأرضية النادرة برزت الأزمة في “ميانمار” كأحد نماذج ذاك التنافس والصراع بين واشنطن وبكين؛ فأراضي هذه الدولة تحتوي على نصف خامات الأرض النادرة، وتصدِّر تلك الثروة إلى الصين –نظرًا للتقارب الجغرافي والعقائدي، والاندماج المجتمعي أيضًا- بهدف استخراجها ومعالجتها، ثم تُصدَّر إلى مختلف البلدان؛ لذلك تحرص الصين على إبعاد الهيمنة الأميركية عن ميانمار.