روجينا فتح الله تكتب: شهيدات لقمة العيش.. من ينقذ فتيات الريف من فخ الإهمال؟

صحفية متخصصة في ملف المرأة

فتحت السماء أبوابها لاستقبال 18 زهرة، لم يعرفن يومًا الترف، ولم يخترن الراحة طريقًا. كنّ فتيات بسيطات من قرى محافظة المنوفية، اخترن الشقاء على البطالة، والعرق على العوز، والحلال على أي سبيل آخر. خرجن في الصباح الباكر يطاردن لقمة عيش شريفة، لكنهن عدن أجسادًا هامدة، بعد أن اصطدمت تريلا بسيارة ميكروباص كانت تقلهن في طريق العودة من العمل.

حادث مأساوي، ربما تكرّر كثيرًا في قصص شبيهة، لكن الضحايا هذه المرة لسن مجرد أرقام، إنهن بناتنا، أخواتنا، صورة أخرى من صور الكفاح الصامت خلف أبواب القرى.

فتيات يُشيد بهن الجميع حين يتحدثون عن نماذج المرأة الكادحة، لكن لا أحد يلتفت لهن حين يطلبن الأمان على الطرق، أو بيئة عمل تحفظ كرامتهن، أو حتى وسيلة مواصلات آدمية تليق بآدميتهن.

المأساة لا تقف فقط عند حدود الحادث، بل تتجاوزها لتفضح منظومة كاملة من الإهمال، من ضعف البنية التحتية للطرق، إلى غياب الرقابة على وسائل النقل، وانعدام التأمين على العاملات.

من يحمي هؤلاء؟ من يضع في اعتباره أن هؤلاء الفتيات لسن مجرد عمالة رخيصة، بل أرواح لها قيمة، وأمهات مستقبليات، وعناصر إنتاج حقيقية في جسد الوطن؟

إننا لا نكتب اليوم لنرثي فقط، بل لنطالب بحقهن، ولنحمل الدولة وأصحاب الأعمال والمجتمع كاملًا مسؤوليته.

هذه الحادثة يجب ألا تمر مرور الكرام، بل تكون نقطة تحوّل في نظرتنا للفتيات العاملات، وللريف المهمّش، ولثقافة استغلال الفقر وترك البسطاء لمصيرهم المجهول.

رحم الله بنات المنوفية، شهيدات لقمة العيش، ولتكن ذكراهن صرخة في وجه التجاهل، وإدانة في وجه التقصير، ودعوة لحياة أكثر عدلًا وأمانًا للمرأة الريفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى