د. ياسمين أسماعيل تكتب: هل يساهم حمض الفوليك في الحد من اضطراب طيف التوحد؟

قراءة تحليلية في أحدث الأبحاث الوقائية والعلاجية

حمض الفوليك هو الشكل الصناعي لفيتامين B9، الذي يلعب دورًا أساسيًا في تكوين خلايا الدم الحمراء، وانقسام الخلايا، وتطور الأنبوب العصبي في الجنين خلال المراحل المبكرة من الحمل.
ومنذ التسعينيات، اعتمدت الكثير من الدول على برامج تدعيم الأغذية بالفوليك لتقليل التشوهات الخلقية، إلا أن ظهور أبحاث عن احتمال علاقته بالتوحد فتح بابًا للنقاش العلمي حول فوائده ومخاطره المحتملة.

آلية عمل حمض الفوليك
يدخل حمض الفوليك في دورة الميثايونين (Methionine Cycle) الضرورية لإنتاج الحمض النووي (DNA) وعمليات المثيلة (Methylation) المهمة لنمو الدماغ.
وبالتالي نقص الفوليك يؤدي إلى عيوب في إغلاق الأنبوب العصبي بين الأسبوع الثالث والرابع من الحمل، مثل السنسنة المشقوقة وانعدام الدماغ.

كما أن هناك اعتقاد علمي بأن التوازن الدقيق للفوليك ضروري لتطور الدماغ، وأن أي اختلال — سواء بالنقص أو الفائض الكبير — قد يؤثر على مسارات النمو العصبي.

الجرعات الموصى بها عالميًا
١-النساء في سن الإنجاب: 400 ميكروغرام/يوم.
٢-النساء اللواتي لديهن تاريخ لحمل سابق بعيب في الأنبوب العصبي: 4 ميليغرام/يوم (mg/day) قبل الحمل بشهر واحد وحتى نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، تحت إشراف طبي.
وتتوافر المصادر الطبيعية للفوليك في عدد من الأطعمة الصحية، مثل: السبانخ والبروكلي ضمن الخضروات الورقية والخضراء، البقوليات مثل العدس والفاصوليا، الحمضيات كبرتقال والجريب فروت، المكسرات مثل اللوز والجوز، إضافةً إلى الحبوب المدعمة التي تُضاف إليها الفيتامينات والمعادن.

أبرز الدراسات الحديثة
1. دراسة (Li et al., 2021): تابعت الدراسة بالصين أكثر من 35 ألف حالة حمل، ووجدت أن تناول الفوليك خلال فترة ما قبل الحمل مرتبط بانخفاض خطر إصابة الأطفال بالتوحد بنسبة 30% تقريبًا، خاصة لدى الأمهات اللواتي كنّ يعانين من نقص تغذية سابق.
٢-دراسة (Schmidt et al., 2012): أظهرت الدراسة بأمريكا أن تناول مكملات الفوليك في الشهر الأول من الحمل مرتبط بانخفاض خطر التوحد، لكن لاحظ الباحثون أيضًا أن المستويات المفرطة (عند تناول جرعات عالية جدًا لفترات طويلة) قد تكون مرتبطة بزيادة طفيفة في المخاطر لدى بعض الأسر ذات الاستعداد الوراثي.
اما بالنسبة للجدل العلمي: هل الفوليك يسبب التوحد؟
الدراسات التي تشير لوجود علاقة بين الجرعات العالية جدًا من الفوليك والتوحد غالبًا ما تكون دراسات رصدية (Observational)، لا تثبت السبب والنتيجة.

كثير من الدراسات لم تأخذ في الاعتبار عوامل مربكة مثل الوراثة، البيئة، الأمراض المزمنة للأم، نمط الغذاء العام.
الهيئات الصحية الدولية مثل CDC وWHO لم تجد ما يستدعي تعديل توصياتها بخصوص مكملات الفوليك للحمل.
نصائح للأمهات بناءً على الأدلة العلمية١-
🌺 ابدئي تناول مكملات حمض الفوليك قبل الحمل بشهر واحد على الأقل، واستمرّي حتى نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.

🌺التزمي بالجرعة الموصى بها (400 ميكروغرام يوميًا)، إلا إذا نصح الطبيب بخلاف ذلك بناءً على حالتك الصحية.

🌺تجنبي الجرعات العالية من المكملات بدون وصفة طبية، لأن الزيادة الكبيرة قد تؤدي إلى تراكم الفوليك في الدم.

🌺احرصي على نظام غذائي متوازن يحتوي على مصادر طبيعية للفولات.

🌺استشيري الطبيب فورًا إذا كنتِ تتناولين أدوية قد تتداخل مع امتصاص الفوليك مثل بعض أدوية الصرع أو مضادات الفولات.

حتى الآن، ترجح الأبحاث أن مكملات حمض الفوليك ضمن الجرعات الموصى بها تساهم في تقليل خطر العيوب العصبية وقد تكون ذات أثر وقائي ضد بعض أشكال التوحد، بينما الجرعات العالية جدًا دون داعٍ طبي قد تكون غير مناسبة لبعض الفئات. لذلك يظل التوازن والمتابعة الطبية هما الخيار الأمثل للأمهات.

Li, Q., et al. (2021). Association of Maternal Folic Acid Supplementation With Risk of Autism Spectrum Disorder. JAMA Pediatrics, 175(2). .

Schmidt, R. J., et al. (2012). Maternal periconceptional folic acid intake and risk of autism spectrum disorders and developmental delay In the CHARGE study. American Journal of Clinical Nutrition, 96(1), 80–89..
Hediger, M., et al. (2022). Folate and Autism Spectrum Disorder: A Systematic Review. Nutrients, 14(4). .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى