شريف ربيع يكتب: من هو الصابر؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. إن الله -سبحانه وتعالى- أوجب على عباده الصبر عند المصائب، فقال عز وجل: “وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [الأنفال:46]، وقال أيضًا: “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّه” [النحل:127]، وقال: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة:155]، وقال: “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)” (البقرة).
والصبر واجب، وهو كف اللسان عن الصياح والعويل عند الحزن، ومنع اليد عن تجريح الوجه أو أي مكان في الجسم، أو تقطيع الثوب، أو نحو ذلك من الأفعال المنهي عنها؛ بمعنى أن الإنسان مأمور بعدم فعل هذه الأشياء عند حلول المصائب، بل الصواب أن يقول عند حدوث أي مصيبة: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
وينبغي على المرء أيضًا حين وقوع الكوارث ألا يصيب قلبه الجزع (وهو عدم الصبر)؛ ولهذا قال رسول الله ﷺ: “أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة” (رواه الإمام مسلم في صحيحه)، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، وقال ﷺ أيضًا: “ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية” (رواه الإمام البخاري في صحيحه)، و(شق الجيوب: تقطيع الملابس)، (دعوى الجاهلية: هي الأفعال التي تنكرها الشريع الإسلامية؛ مثل قطع الملابس وغير ذلك).
فالصابر هو الذي يكف جوارحه عما لا ينبغي فعله، ويكف لسانه عما لا ينبغي قوله، ويعمِّر قلبه بالطمأنينة والاحتساب والصبر، والإيمان بأن الله –سبحانه- هو الحكيم العليم، وأنه -جل وعلا- يقدِّر المصائب لحكم بالغة؛ فيكتب على هذا مرض ما، وعلى ذاك حادث سيارة مثلًا، وعلى آخر الموت، وعلى هذا إيذاء من فلان أو فلان، … إلى غير ذلك.
الله -تعالى- له الحكمة البالغة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له”(رواه الإمام مسلم في صحيحه)، (الضراء: الفقر والشدة.. السراء: النعمة والرخاء).
هذا حال المؤمن الذي ينبغي أن يكون عليه دائمًا، والصبر واجب عليه بحيث يكف يده ولسانه وجوارحه كلها عما لا ينبغي، فلا ينوح ولا يشق ثوبًا، ولا يلطم خدًّا، بل يحتسب الأجر على ذلك عند الله تعالى، ويصبر.
وإن رضي بهذه المصيبة أو تلك المصائب التي حلَّت به، واطمأن إليها ورضي بما قدره الله له، كان أعظم أجرًا وأكبر وأفضل؛ لقوله ﷺ: “إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط” )أخرجه الترمذي في “سننه”، وحسنه الألباني في “السلسة الصحيحة”).
فالصبر واجب والرضا سنة مؤكدة، وهو الكمال في الفعل عند حلول المصائب، والجزع محرم، وكذلك ما يدل عليه من أفعال وأقوال. وهناك مرتبة أخرى عليا، وهي: اعتبار المصيبة نعمة من عند الله، يشكر الله عليها فيكون شاكرًا صابرًا راضيًا شاكرًا، يرى أن المصيبة نعمة، وهذا المرض الذي أصابه أو الفقر أو الخسارة في التجارة أو مصيبة في البدن، أو ما أشبه ذلك، يراها نعمة يشكر الله عليها؛ لما يترتب عليها من تكفير السيئات، ومحو الخطايا، وعِظَم الأجور، ودروس عملية له في الحياة.