مصطفى كمال بدوي يكتب : العلاقات الإنسانية في العمل
تلعب العلاقات الإنسانية دورا هاما في الإدارة لأنها من الأدوات الرئيسية في التوجيه، وهي تعتمد على طبيعة السلوك الإداري في تقدير كل موظف وتنمية مواهبه وإمكاناته وخبراته واعتباره قيمه عليا في حد ذاته، وهو سلوك يقوم على الاحترام المتبادل بين المديرين والموظفين بما يحقق التفاهم و الشعور بالانتماء للمنظمة مع إعادة توجيه سلوكهم الفردي والجماعي على أساس قيم ودوافع وظروف عمل أحسن، ويتوقف نجاح المدير في العلاقات الإنسانية على مدى قدرته على كسب احترام مرؤوسيه، ما يتطلب منه أن يكون قدوة صالحة لهم، كما يتوقف على حرصه على إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية وأسلوبه في توجيههم وتصويب أخطائهم وحسن التعامل معهم .
فالإنسان يميل بطبعه إلى مخالطة الناس والتعامل معهم، وهو بحاجة إلى ذلك بحكم المصالح المشتركة، وحاجة كل إنسان لأخيه الإنسان. فلا يمكن لـه الاستغناء عن الآخرين في تحقيق مصالحه . هذه الحقيقة التي جاء بها القرآن الكريم وبين أبعادها، تنبه إليها عدد من العلماء وعلى رأسهم ابن خلدون في القرن الثامن الهجري، وما تزال الأيام تثبت لنا صدقها، ودقة وصفها للسلوك الإنساني
وعلى مستوى العلاقات الإنسانية بين الأفراد على اختلاف أشكالهم يبقى هذا المفهوم حاضرا في القرآن الكريم. قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)، سورة النساء: الآية 36
وإذا تحولنا إلى نطاق المجتمع المسلم، وجدنا أن القرآن يعطي أهمية للعلاقات الإنسانية، ويجعلها أساس الاجتماع وأصل العمران. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)) سورة آل عمران: الآية 103.
فالآية تشير إلى أن التأليف بين القلوب نعمة ربانية جديرة بالتنويه، فبذلك تنتفي الأحقاد، وتنمحي البغضاء، وتـتواري الخلافات، وما يترتب عليها آثار وتبعات. لأن التأليف بين القلوب إنما هو اتحاد في المشاعر، وانسجام في الوجدان، وباعث على التضامن في السراء والضراء، فهو إذن وحدة نفسية، أو فكرية، أو عقلية أو روحية، ينشأ عنها حتما وحدة اجتماعية لا تنفصم. ومن هنا يمكن القول: إن المجتمع في نظر القرآن تأليف بين القلوب، واتحاد في المشاعر، وتشارك في الوجدان.
وبهذا نجد الإسلام قد أولى مسألة العلاقات الإنسانية عناية بالغة بشتى جوانبها وجعل الأساس فيها علاقة الفرد بخالقه والتي تحقق للفرد أمن النفس والاطمئنان والاستقرار وجاء ذلك في قوله سبحانه وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: ۲۸). يلي ذلك علاقة الفرد بأقرانه في المجتمع المسلم والتي وضع لها الأسس اللازمة لها والتي جاءت في . عدد من الآيات مثل {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور • واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (لقمان: ۱۸، ۱۹)، وقوله تعالي {ولا تنسوا الفضل بينكم) (البقرة: ٢٣٧). {فإن أمن بعضكم بعضا فليود الذي اؤتمن أمانته) (البقرة: ٢٨٣). وقال عز وجل: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} (الأنعام: ١٥٢). وفي هذا الاتجاه صاغ الإسلام أهم الأسس والمبادئ التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية في ظله وهي مبدأ التعاون، التكافل، والرعاية والمسؤولية. ونجد من أقوال الله عز وجل في ذلك: {وتعاونوا على البر والتقوى} (المائدة:٢)، وقوله تعالي: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة: 71).