الدكتور محمود زايد يكتب: دلالات زيارة مسرور بارزاني لمصر

تأتي زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني ووفده رفيع المستوى لمصر في وقت مهم للغاية، وفي ظروف عصيبة تمر بها منطقة الشرق الأوسط في ضوء أجوائها الساخنة والملتهبة واشتعال نزاعاتها المدمرة في بعض دولها داخليًّا وإقليميًّا، لاسيما وأن إقليم كردستان في ظل قياداته الحالية صار لاعبًا محوريًا ومشاركًا فاعلاً في حلحلة هذه المشكلات ونزع فتيلها عن طريق الحوار والسلام، وهو النهج الذي تتبناه مصر على طول الخط، رافضة التدخلات غير المشروعة من بعض القوى الإقليمية في شؤون ومصير شعوب بعض دول المنطقة.
إن زيارة مسرور بارزاني الرسمية لمصر ولقاءاته الرئيسَ السيسي وعددًا من كبار المسؤولين المصريين لها العديد من الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك بين البلدين؛ ففي الوقت الذي يحتم على موقع مصر ودورها المحوري والتاريخي أن تعمل باستمرار على تجفيف مناطق النزاع والصراع في المنطقة، وبناء دولة المؤسسات وتفعيل دورها كمراكز للاستقرار والتنمية، فإن كردستان العراق يتحمل العبء نفسه في النطاق الذي يحيط به في شمال وشرق منطقة الشرق الأوسط رغم الاعتداءات الإرهابية والإجرامية التي تتعرض لها منشآته ومرافقه الحيوية من آن لآخر، ولعل اتساع دائرة العلاقات الخارجية للإقليم أمريكيًّا وخليجيًّا وتركيًّا تسير في هذا الاتجاه.
ففي الوقت الذي نجحت فيه مصر مع شركائها من تحجيم العديد من نزاعات المنطقة آخرها وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، كان لإقليم كردستان دور كبير في إيقاف النزاع المسلح بين النظام التركي وحزب العمال الكردستاني الذي بادر زعيمه عبد الله أوجلان في فبراير الماضي بدعوة حزبه إلى إلقاء السلاح واعتماد الحوار السلمي في حل مشكلات الكرد في تركيا، كما نجح إقليم كردستان أيضًا في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الكرد في سوريا بالوصول إلى صيغة توافقية واحدة يتم تبنيها في المفاوضات مع حكومة دمشق نحو مستقبل سوريا.
لاشك أن كلا من مصر وإقليم كردستان بحاجة إلى لقاءات مستمرة، وحوار لا ينقطع لتعزيز سبل التعاون الأمني والأيدولوجي؛ فإقليم كردستان آمن ومستقر ومزدهر يعدُّ إضافة إيجابية للمنطقة وتحجيمًا لمحاولات البعض توسيع دائرة نفوذه الخارجي، كما أنه يعمل إلى تقوية بغداد ودعمها المباشر نحو الاستقرار السياسي والمجتمعي، تحجيم خلافاتها العنصرية والمذهبية، وانعتاقها من التدخلات الخارجية.
واقتصاديًّا، فإن كلا البلدين يتمتعان بفرص جاذبة للاستثمار في مجالات عديدة، كل منهما بحاجة إليها؛ فأسواق إقليم كردستان تتوق إلى زيادة حجم المنتوجات الزراعية المصرية لجودتها وثقتها المعهودة في الأسواق الغربية، كما أن الإقليم بحاجة إلى الخبرة الكبيرة التي تتمتع بها شركات الإعمار المصرية لتسريع وتوسيع سياسة الإعمار والتنمية التي تميزت بها حكومة الإقليم في عهد رئيسها الحالي مسرور بارزاني. وفي المقابل، فإن باب مصر مفتوح للرأس المالي الكردستاني ورجال أعماله للاستثمار في مصر في ظل التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحكومة المصرية في هذا المجال على كافة الأصعدة.
إن ما يجمع الشعبين المصري والكردي من علاقات تاريخية منذ العصور القديمة وحتى الآن يوجب عليهما استثمارها في مصالحهما العليا، فعبر تاريخها الحديث تحترم مصر حقوق الشعب الكردي وحضارته وثقافته المتميزة عن غيرها من الشعوب الأخرى، وقد بدى ذلك منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر كأول رئيس عربي يستقبل الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني عام 1958م، وكونها أول دولة عربية تفتتح قنصلية لها في أربيل. ومن جانبه صرّح الرئيس السيسي للعالم أكثر من مرة وجوب احترام حقوق الشعب الكردي الوطنية والدستورية، حيث لا توجد قوة في العالم تستطيع القضاء على الشعب الكردي.
أظن أن الرسالة التي بات إقليم كردستان يقدمها لمنطقة الشرق الأوسط والعالم تحتم على الجميع تعزيز رسالته تلك بكونه إضافة إيجابية للمنطقة وليس خصمًا لها، وكعهدها التاريخي تبقى القاهرة هي الباب الطبيعي والشرعي لاعتماد هذه الرسالة الكردية للمنطقة والعالم.
*الكاتب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر – خبير بشؤون الشرق الأوسط



