مني النمر تكتب: بين اليوم و أمس …!! مقارنة لا نتمناها …
لم تكن الانتخابات الأخيرة مجرد حدث عابر في المشهد المصري ، بل كانت مرآة واسعة كشفت ما تراكم في النفوس من شك وتعب وافتقاد للثقة …
وقد تابعت مثل غيري ما جرى في الأيام الماضية ، بداية من بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي ، الذي طلب فيه التحقيق في الانتهاكات التي حدثت في المرحلة الأولى ، وكان بيان الرئيس بالنسبة لقطاع كبير من الناس أشبه بضوء ظهر فجأة في مساحة مظلمة …
فالناس تعبت من صمت طويل ومن شعور أن أصواتها أصبحت بلا أثر ، ولكن ما حدث بعد ذلك لم يكن بحجم الترقب ، ولا بحجم الحاجة الملحة إلى إصلاح حقيقي …
فقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء تسع عشرة لجنة فقط ، وكأن الخلل محصور في هذا العدد ، الذي لا يعكس شيئا من الواقع الذي يراه الناس بأعينهم كل يوم …
الحقيقة أن المواطن لم يعد يشعر أن الوجوه التي تتصدر مشهد الانتخابات تمثله …
بل يرى وجوها جاءت بقوة المال والنفوذ ، لا بقوة الثقة …
كما أن مشاهد المال السياسي لم تعد حالة استثنائية ، بل أصبحت جزءا من المشهد العام ، إلى درجة أن البعض بات يسأل نفسه كيف يمكن لصوت نزيه أن يصمد أمام سطوة المال …
وفي وسط كل هذا يأتي نظام القائمة ليزيد الفجوة بين الناس ، وبين الإحساس بأن مشاركتهم ذات قيمة …
فالقائمة تأتي مغلقة و مفروضة ، ولا تترك للمواطن إلا قبولها أو رفضها …
ومع ذلك تفوز أغلب الوقت …
حتى لو لم يخترها أحد إلا من كتبها … وكأن الرسالة الضمنية أن رأي الناس ليس شرطا في نجاح أي أحد …!!
ثم ظهر تصريح النيابة الإدارية الذي تحدث عن أمر اللجنة العليا للانتخابات ، بعدم تسليم نتائج أعداد الناخبين ، وعدم إتاحة هذه القوائم لمندوبين المرشحين ، وهو تصريح أثار لدي كما أثار لدى كثيرين سؤالا بديهيا كيف يمكن لنتيجة اعداد الناخبين أن يصبح معلومة يصعب الوصول إليها …
وكيف تكون الانتخابات عملية يفترض أن تقوم على الشفافية ، بينما أبسط بياناتها غير متاحة للجهات الرقابية ، بل إن مجرد غياب هذا الرقم يفتح بابا واسعا ، للشك والطعن ويجعل أي نتيجة قابلة للسقوط أمام منصة القضاء …
وأنا أراقب ردود أفعال الناس ، وجدت أن المقارنة مع انتخابات عام ألفين وعشرة ، ليست مقارنة مفتعلة ولا قاسية ، بل هي مقارنة يفرضها الواقع …
فالشعور بعدم التمثيل يتكرر ، والشك يتكرر ، والغضب الصامت يتكرر ، ولا شيء أخطر على أي دولة من أن يشعر مواطنوها بأن صوتهم بلا معنى …
لأن الشرعية في النهاية ليست ورقة ولا صندوقا بل هي إحساس داخلي ، بأن المواطن يرى نفسه في من يمثله ، ويثق بأن صوته جزء من صناعة القرار …
لذلك لم يكن غريبا أن يطالب كثيرون بإلغاء العملية الانتخابية كاملة …
لأن الإلغاء الجزئي لا يكفي ، ولا يعالج جذور المشكلة ، بل يترك الجرح مفتوحا ، ويجعل الشارع أكثر توترا ، ويجعل الطعون أكثر قوة …
فالمخالفات التي ظهرت ليست خفيفة ولا هامشية ، بل هي كافية لأن تؤدي إلى أحكام قضائية ، بإسقاط الانتخابات إن آجلا أو عاجلا …
فالقانون لا يحمي عملية مهزوزة ، والواقع لا يقبل بناء يستند إلى نصف ثقة أو ربع شفافية …
وأنا أرى أن أخطر ما في المشهد ليس الانتهاكات نفسها ، بل إحساس الناس بأن أصواتهم لم تعد قادرة على التغيير …
وهذا الإحساس وحده قادر على أن يهدم أي عملية ديمقراطية …
مهما كانت محكمة من الخارج … الديمقراطية ليست صناديق فقط …
بل شعور عام بأن الصوت الحقيقي مسموع ، وأن الإرادة الشعبية محترمة ، وأن المواطن ليس مجرد رقم يضاف إلى نتيجة مقررة سلفا …



