صفوت بسطا يكتب: النُستولوجيا.. ونسختك القديمة

كاتب صجفي

هل سبق يا صديقي أن استيقظتَ يومًا على رغبة غامضة في استرجاع ذكرياتك القديمة؟ أن تتصفح صورك القديمة، أو تقضى وقت للتفكير فى ماضيك أو حياتك السابقة أو تبحث عن نسختك القديمة؟

ذلك الشعور الدافئ الممتزج بشيءٍ من الحزن يُعرف باسم “النُستولوجيا”.

و”نُستولوجيا” يا صديقى كلمة يونانية مكوّنة من مقطعين، هما : (Nostos نوستوس) وتعني “العودة إلى الوطن”، و(Algos ألغوس) وتعني “الألم”، ليصبح معناها الحرفي هو “ألم العودة إلى الوطن”.

لكن مع الوقت تطوّر معنى الكلمة من مجرد الشوق إلى الوطن إلى مفهوم أوسع يشمل الحنين إلى فترة زمنية معينة أو مكانٍ محدد يرتبط بذكريات إيجابية أو بأشخاص لنا معهم ذكريات رائعة.

وأول من صاغ هذا المصطلح هو الطبيب السويسري يوهانيس هوفر في القرن السابع عشر، وقد استخدمه لوصف حالةٍ مرضية كان يعاني منها الجنود السويسريون المرتزقة الذين كانوا يحاربون بعيدًا عن بلادهم.

ويُعدّ هذا الشعور طبيعيًا ومفيدًا في أغلب الأحيان، لكنه قد يكون ضارًا في أحيانٍ أخرى.

لكن لماذا نلجأ يا صديقي إلى “النُستولوجيا”؟ لأنها – كما قلت لك – مفيدة في أغلب الأحيان، فهي تُستخدم كوسيلةٍ للتكيّف مع صعوبات الحياة؛ إذ إن تذكّر الإنسان لإنجازاته السابقة يُحسّن من تقديره لذاته ويُحسّن من حالته المزاجية، ويساعده على إيجاد معنى لحياته من خلال ربط الماضي بالحاضر.

فلا تستعجب يا صديقي عندما تجلس مع أحدهم ويكون محور حديثه دائمًا إنجازاته السابقة، فهو في هذه الحالة يمارس “النُستولوجيا”، يتذكّر نسخته القديمة، يحاول تحسين تقديره لذاته ورفع حالته المزاجية، وقد يكون هروبًا من واقعٍ لم يجد فيه ما وجده في الماضي.

فنحن يا صديقي لا نلجأ إلى “النُستولوجيا” لمعاقبة أنفسنا، بل نحاول الهروب من حاضرٍ نراه لا يُنصفنا، ولنساعد أنفسنا على إيجاد معنى لحياتنا من خلال ربط الماضي بالحاضر، ولأننا نحتاج إلى الأمان أو الاستقرار النفسي.

فالماضي غالبًا ما يبدو لنا بسيطًا وجميلًا، فنلجأ إليه لنَهرُب من ضغوط الحاضر أو خوف المستقبل.

ومع ذلك، فـ”النُستولوجيا” شعورٌ مركّب ومختلط، يجمع بين السعادة النابعة من استعادة الذكريات الجميلة، والحزن المرتبط بالوعي بأن تلك اللحظات قد ولّت ولن تعود.

ومع هذا، تبقى عودتنا إلى الماضي طريقةً لطمأنة أنفسنا… وكأننا نقول لها:
“كانت هناك أيام جميلة… وستأتي مثلها من جديد إن شاء الله.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى