روجينا فتح الله تكتب: أين يقف قانون الطفل من جرائم تُرتكب يومياً بحق أبنائنا؟
كاتبة صحفية
مع تزايد الحوادث التي بات القُصّر طرفاً مباشراً فيها، يعود قانون الطفل إلى واجهة الجدل المجتمعي، وسط تساؤلات لا تهدأ حول قدرته على مواكبة أنماط جديدة من الجريمة وتحوّلات اجتماعية باتت أكثر تعقيداً، فبين ضرورة حماية حقوق الأطفال من جهة، وضمان أمن المجتمع من جهة أخرى، تبرز إشكالية حقيقية: هل ما زال القانون الحالي مناسباً لواقع اليوم؟ أم أننا أمام حاجة ملحّة لإعادة صياغته؟
في ظل هذا الجدل، خصّصت جريدة النهار مساحة واسعة لنقاشات معمّقة مع خبراء قانونيين واجتماعيين، قدّموا رؤى مختلفة حول مستقبل قانون الطفل. وبينما رأى البعض أن القانون حقّق معايير إنسانية مهمة، شدّد آخرون على ضرورة تعديله بما يتناسب مع تصاعد العنف والجرائم التي تورَّط فيها أحداث في السنوات الأخيرة.
لم تهدأ مشاعر الغضب التي اجتاحت المجتمع بعد وفاة الطفلة أيسل داخل إحدى القرى السياحية- حادثة مأساوية بدأت بيوم ترفيهي وانتهت بمقتل صادم لأسرة وشارع كامل، فوفق ما تم تداوله وقتها، استغل أحد القُصّر لحظة انشغال والدة الطفلة، ليقع الاعتداء الذي أنهى حياة أيسل وأعاد فتح ملف حماية الأطفال بقوة.
وما أثار الجدل أكثر هو الكشف عن أن الجاني قاصر، ما يعني خضوعه لقانون الطفل، وبالتالي عدم تطبيق العقوبات المغلّظة التي كان يتوقعها كثيرون، هذا الوضع فجّر نقاشات واسعة حول مدى عدالة القانون الحالي، وعمّا إذا كان يوفّر حماية كافية للضحايا أو يُستخدم- بحسن نية- لتخفيف عقوبات جرائم باتت أشد قسوة وتعقيداً.
أسرة الطفلة، ومعها أصوات قانونية واجتماعية، طالبت بفتح باب المراجعة التشريعية، مؤكدين أن ما حدث ليس حادثاً فردياً بل مؤشر خطير على فجوة يجب معالجتها.
تستحضر الذاكرة المجتمعية تلقائياً اسم زينة كلما ظهرت قضية مشابهة، فالطفلة البورسعيدية التي هزّت جريمتها وجدان المصريين قبل سنوات، أصبحت رمزاً لمعاناة آلاف الأطفال الذين يقعون ضحايا العنف والاستغلا، الجريمة المروّعة التي ارتكبها حدث تركت أثراً لم يمحَ، وخلقت زخماً شعبياً هائلاً للمطالبة بتشديد القوانين.
ورغم حالة الغضب التي تلت الواقعة، اصطدمت القضية حينها بالقيد ذاته: سن الجاني. فبموجب قانون الطفل، لم يكن من الممكن تطبيق العقوبات الكاملة التي طالب بها الشارع، ومع الزمن، تحوّلت جريمة زينة إلى نقطة مرجعية، يُستدعى ذكرها كلما تكررت المأساة ذاتها، تأكيداً على أن المنظومة القانونية بحاجة لإعادة تقييم جذرية.
أهالي الضحية، ومعهم قطاع واسع من المجتمع، ما زالوا يطالبون بتعديلات تضمن عدم تكرار مثل تلك الجرائم، وتؤمّن حماية أكبر للأطفال، سواء كانوا ضحايا أم قُصّراً مستغلين في أعمال جرمية.
بين القانون والواقع… أين الحل؟
يقف المجتمع اليوم أمام مفترق طرق: كيف نوازن بين مصلحة الطفل المرتكب للجريمة ومصلحة المجتمع والضحية؟ فالقانون وُضع لحماية الأطفال، لكن تطبيقه على قضايا شديدة القسوة أصبح يثير مخاوف من أن يتحوّل إلى مظلة حماية تُستخدم في غير موضعها.
الحاجة إلى مراجعة شاملة باتت ملحّة، ليس بهدف التشدد فقط، بل بهدف تطوير منظومة عدالة الأحداث لتكون أكثر قدرة على الردع، وأكثر حساسية تجاه حقوق الضحايا، وأكثر استجابة للمتغيرات التي فرضتها السنوات الأخيرة.



