شريف الريس يكتب: أسطورة خط بارليف تنهار

كان “خط بارليف”، الذي أُنشئ على طول الضفة الشرقية لقناة السويس بعد حرب 1967، يُوصف بأنه أقوى خط دفاع عسكري في التاريخ الحديث، بل ذهب البعض إلى اعتباره أشد تحصيناً من خطي “ماجينو” الفرنسي و”سيغفريد” الألماني. كان الخط يتكون من ساتر ترابي ضخم يصل ارتفاعه إلى حوالي 20 متراً في بعض الأماكن، بالإضافة إلى نقاط حصينة (مواقع دفاعية) محاطة بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام، ومجهزة لتحمل القصف، وكان الهدف منه منع أي محاولة عبور مصرية وتدميرها. افتخرت إسرائيل بأنه “الخط الذي لا يمكن اختراقه” إلا باستخدام قنبلة نووية.

في السادس من أكتوبر 1973، وفي توقيت مفاجئ اختير بعناية فائقة، انطلقت شرارة العبور بعملية جوية ومدفعية مكثفة. أما اللحظة الحاسمة فكانت مع عبور عشرات الآلاف من جنود المشاة الذين بدأوا بتسلق الساتر الترابي، في حين كان سلاح المهندسين يقوم بفتح الثغرات، باستخدام مضخات المياه عالية الضغط، التي كانت تمثل الحل العبقري لتجاوز المانع الرملي الضخم. تمكنت هذه المضخات، التي تم تزويد الجيش بها في سرية تامة، من تفتيت كميات هائلة من الرمال وفتح أكثر من 80 ممراً خلال بضع ساعات، مما سهل عبور القوات والمعدات الثقيلة. هذا الإنجاز الهندسي لم يكن متوقعاً على الإطلاق، وكسر المقاييس التقليدية لاقتحام التحصينات.

تحطيم المقاييس العسكرية
لم يقتصر إنجاز حرب أكتوبر على تدمير خط بارليف فحسب، بل شمل أيضاً تحطيم عدة مقاييس وفروض عسكرية واستراتيجية عالمية:

تحطيم نظرية الأمن الإسرائيلي: لطالما اعتمدت إسرائيل على مفهوم “الجيش الذي لا يقهر” و”الردع الساحق” و”الحدود الآمنة” التي يمثلها خط بارليف. إلا أن العبور الناجح والسيطرة على الضفة الشرقية في الساعات الأولى أفقد العدو توازنه ونسف هذه النظرية بالكامل.

إعادة تقييم العامل البشري (“النوعية القتالية”):

كشفت الحرب عن مستوى عالٍ من الكفاءة القتالية والتخطيط الاستراتيجي والخداع العسكري للقوات المصرية. أظهر الجندي المصري صلابة وبراعة قتالية فائقة في مواجهة أعقد التحصينات. هذا الأداء دفع المعاهد العسكرية العالمية لاحقاً لإضافة بند جديد في حسابات القوى العسكرية، وهو حساب “النوعية القتالية” للفرد المقاتل.

إثبات إمكانية المباغتة الاستراتيجية: على الرغم من أن إسرائيل كانت تعتمد على أجهزة استخبارات قوية، نجح التخطيط المصري والسوري في تحقيق مفاجأة استراتيجية كاملة على المستويين التكتيكي والعملياتي، مما يؤكد براعة الخداع الاستراتيجي في إخفاء نية الهجوم وموعده.

وفي الختام، كانت حرب أكتوبر نموذجاً للتخطيط العسكري الدقيق، والابتكار الهندسي (مثل استخدام مضخات المياه)، والأداء القتالي الاستثنائي الذي أثبت أن الإرادة والعزيمة، مدعومة بالذكاء العسكري، يمكن أن تتغلب على أعتى الحصون وأكثر النظريات العسكرية رسوخاً، لتبقى ملحمة العبور فصلاً مجيداً في تاريخ مصر العسكري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى