مني النمر تكتب: السائرون إضطراراً …!!

يعيش العالم الآن حالة من القلق الجماعي ، قلق لا يتعلق ببلد بعينه ، ولا بأزمة واحدة …

إنه قلق يتجاوز الحدود ، قلق من عالم يتغير بسرعة تفوق قدرتنا على الفهم أو التماسك …

الحروب تتناثر في بقاع الأرض ، والاقتصاد العالمي يترنح بين الانهيار والصعود الوهمي ، والسياسة أصبحت لعبة مصالح لا تبقي وعداً ولا تحترم اتفاقاً …

حتى رؤساء الدول وكبار الساسة ، لا يبدون أكثر يقينا فأصبح حالهم كما حال الناس البسطاء …
فالكلمات تقال صباحاً ، وتنقض مساءً ، وكأن الحقيقة أصبحت عملة نادرة …

وفي وسط هذه الفوضى ، يشعر الإنسان العادي أنه مجرد راكب في مركبة ضخمة ، تسير بسرعة جنونية ، وهو لا يعرف إلى أين تتجه …

يحاول أن يتمسك ببعض الأمل ، ببعض الأمان ، لكن الطريق مليء بالمنعطفات غير المتوقعة …
كأن العالم يسير فوق حافة هاوية ، يتأرجح كل لحظة بين الإنهيار والبحث عن توازن جديد …
نحن جميعا ، دون استثناء ، أصبحنا سائرين إضطراراً ، نسير في طريق لا نعرف نهايته ، مجبرين على الاستمرار لأن التوقف لم يعد خياراً …

الاقتصاد العالمي يتنفس بصعوبة ، التضخم يطرق كل بيت ، والأسعار ترتفع بلا رحمة …
لم يعد الغلاء مجرد أزمة محلية يشعر بها هذا الشعب أو ذاك ، بل صار هما عالمياً . أزمة الحبوب التي فجرها الصراع في أوكرانيا جعلت رغيف الخبز سلعة نادرة في بعض البلدان ، وأداة ضغط في يد القوى التي تتحكم بالمشهد …

وعلى الجانب الآخر من المشهد ، يظل الدم في غزة شاهدا حيا على ظلم لا يتوقف ، بيوت تهدم وأحلام تدفن تحت الركام ، بينما في اليمن يظل صوت الحرب يطغى على بكاء الأطفال … سوريا ما زالت تئن منذ أكثر من عقد ، والخراب صار جزءا من يومياتها ، ولبنان يترنح بين أزمات ، سياسية واقتصادية ، و من وقع الضربات ، فتعصف بما تبقى من أمل عند شعبه …

وفي وسط كل هذا ، نشاهد تداخلات معقدة في التحالفات ، دول تتحرك وفق مصالحها ، فنجدها تقترب من خصوم الأمس وتبتعد عن حلفاء الأمس القريب …!!
أطراف كثيرة تجد نفسها في قلب معادلات جديدة ، والشرق الأوسط بأكمله يعيش حالة غليان مستمرة ، كأنه لم يعرف يوما طعم الاستقرار …
و اذا تعمقت أكثر في المشهد ، نجد عدم توقف الأزمات عند حدود منطقتنا فحسب …
العالم بأسره يعيش في حالة تشبه إعادة تشكيل كبرى …

فالقوى التي حكمت المشهد لعقود لم تعد قادرة على فرض هيمنتها كما اعتادت …!!
فنجد الصين تمد نفوذها ، وروسيا تحاول أن تعيد رسم ملامح خريطة القوة العالمية ، بينما الولايات المتحدة تتأرجح بين الحفاظ على دورها التقليدي وبين الانشغال بأزماتها الداخلية …
وكأننا بالفعل أمام لحظة شبيهة بلحظات تاريخية سابقة ، تلك اللحظات التي كان يستبدل فيها لاعبون بآخرين على مسرح العالم ، ويعاد فيها ترتيب الكراسي في قاعة الحكم الكبرى …

وفي وسط كل هذا ، يظل السؤال الإنساني الأهم …!!
كيف يعيش الإنسان العادي في هذه الفوضى …؟!!
نحن الذين لا نملك قرار حرب أو سلم ، ولا نشارك في مؤتمرات ترسم فيها خرائط النفوذ …
نجد أننا نعيش على وقع الأخبار المتسارعة التي لا تمنحنا فرصة لالتقاط الأنفاس …
فأصبحنا لا نصدق ما نراه ، لأن كل خبر قد يكون نصف حقيقة ،

أو صورة مشوهة لما يراد لنا أن نراه …
حين تحولت التكنولوجيا إلى عين مفتوحة لا تنام ، تراقب خطواتنا ، تعرف ما نفكر فيه ، وتوجه اختياراتنا من دون أن نشعر …!!
حتى ما يصلنا من أخبار أو صور أصبح خاضعا لعدسات منتقاة ، لتعرض لنا ما يخدم مصالح من يملكون أدوات الإعلام والتأثير …

وهنا يتضاعف القلق الإنساني …
فإذا كان قادة العالم لا يملكون ثباتا في مواقفهم ، وإذا كانت التحالفات تتغير بين ليلة وضحاها ، فما الذي يبقي الإنسان البسيط مطمئناً …؟!!

ومع كل هذه الأسئلة ، ومع كل هذا الخوف الكامن في أعماقنا ، نظل نسير …
نسير لأننا لا نملك سوى أن نواصل .

لا نعرف إن كان هذا سيؤدي بنا إلى ولادة عالم جديد أكثر عدلا أو إلى سقوط يأخذنا إلى قاع مجهول …!!

فقط سائرون إضطراراً …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى