الرمضان الكريم.. والإعلام اللئيم

كتب : أحمد القاضي

كل عام وأنتم بخير ، إنه الشهر الأعظم في العام ، إنه الشهر الذي يغسل النفوس من كل الهموم ويكفرها من جميع الذنوب ،

مع دخول رمضان من كل عام ، لا يخفى على أحد تلك الحرب المعلنة من الآلة الإعلامية بهدف إفساد الشعائر لا تعظيمها ، وتحويل الشهر الكريم من موسم يزداد فيه المؤمن إيماناً إلى سوق كبير يروج فيه أهل الباطل لبضاعتهم الراكدة ، الأمر الذي قد يجعل الكثير يختزل معنى تعظيم الشهر الكريم في صورة أداء الطاعات فقط دون أن يتلازم معها الانتهاء والبعد عن المحرمات.. ولذلك لا نبالغ إذا قلنا إن المواد الإعلامية الفاسدة التي تبثها الشاشة الصغيرة داخل البيوت تُعدُّ التحديَ الأكبر الذي تواجهه الأسرة في رمضان من كل عام، وكلما تقدمنا في العمر نلمس مدى التغيير الجذري الذي طرأ على شاشة رمضان واختلافها عما كان يتم بثه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ان هذا المحتوى التافة الذي تقدمه برامج المقالب والسخافات المبتذلة التي لا ترتقي للكوميديا في شئ وما هى إلا تفاهات وسخافات لن يستفيد منها المشاهد سوى الضحك على تعاسة ما يقدم لدقائق معدودة.

 

عزيزي القارئ لك ان تتخيل حجم الميزانيات الضخمة التي تُرصد للأعمال الدرامية والبرامج الرمضانية وبمنظورها التجاري فمؤكد هي مُربحة للغاية وإلا لما يتم إعادة انتاجها سنويا ولكنها بالمنظور الأخلاقي والتثقيفي للأسف هي مخذلة جدا وتصيب المشاهد بالملل والرتابة والتخمة.

إن سلسلة الربحية تبدأ من المواطن “المستهلك” والتي من المفترض أنهأقوى حلقاتها وتنتهي أيضا عنده ولكن وهو في اضعف حالاته ، فعلى مقدار الانتاج الضخم وما يتحصل عليه النجم المشهور من ملايين فهي من الميزانيات المرصودة من الشركة المنتجة للمسلسل او البرنامج ، ومن ثم تبيعها للقنوات الفضائية بالملايين التي تحشوها بالفواصل الاعلانية لمنتجات الشركات، ومصروفات الدعايةلهذه الشركات تتحصل عليها من رفع سعر المنتجات والخدمات المقدمة للمواطن الهزيل ، الذي هو نفسه من يركض سريعا لمشاهدة خيبته وهو يدفع بكامل الرضا للنجم وللبرنامج ليشتري سلعة غالية الثمن قليلة القيمة ويترك سلعة الله الأغلى “ألا وهى الجنة”

 

 

والسؤال هنا : ماذا تقدم الفضائيات للمشاهد بكل صراحة؟ لو تأملنا جيداً هذا السؤال سنجده مبهماً بلا اجابات مقنعة، لا أنكر ان هناك بعض الفضائيات الراقية التي تحترم عقلية المشاهدين وثقافاتهم، ولكن الملاحظ اليوم هو الاهتمام بالكم لا الكيف من اجل مزيد من الارباح والمكاسب ، متجاهلين عقلية المشاهد الذي ينتظر من اجل مزيدا من الفائدة، فاصبح المشاهد لا يستطيع التفريق بين ما هو مفيد وما هوضار وعديم الجدوى،خاصة أن البرامج والمسلسلات كلها تعرض دفعة واحدة في هذا الشهر وكان هذا الشئ مقصوداً وأصبحنا نُحارب في ديننا وفي أحب شهر لدينا وهو شهر رمضان متناسين أن هذا الشهر تفتح فيه أبواب المغفرة والرحمة وتوصد فيه أبواب النار، فهو اكبر فرصة لأي عاص أن يتوب ويبدأ من جديد وعلينا نحن كأشخاص مقاطعة تلك الهجمة الإعلامية في رمضان وان نكثف من عبادتنا.

أنا لا أعترض على كثرة وجود الفضائيات في حد ذاتها، لكن المشكلة في المواد التي تعرض، فهي لا تتفق في معظمها إن لم تكن كلها مع قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وديننا ثم كيف نكون أمة تعاني الفقر ومشكلات في التنمية والتعليم ، وكل السبل التي تؤدي إلى التقدم والازدهار، ثم يكون لدينا كل هذا الكم من الفضائيات التي تستهلك جانبا كبيرا وببذخ من ثرواتنا وأموالنا؟ لا أعرف لماذا أصبح تقليدا متعارفا عليه بين كل المحطات التليفزيونية سواء الأرضية أم الفضائية التنافس على تقديم المادة الترفيهية والربط بين ذلك وبين شهر الصوم؟ وهذه المادة سواء أكانت دراما أم استعراضا أم برامج خفيفة، لا تبعد عن كونها لقاءات مع فنانين ورياضيين، أو موضوعات “تافهة” ليس لها علاقة لا بالشهر الكريم، ولا بعاداتنا وقيمنا وتقاليدنا وهي تمثل ظاهرة خطيرة ذات تأثير مرعب ومفسد ليس في فئة الشباب فقط، بل في كل الأعمار والشرائح. وأبسط شيء يقوله العقل والمنطق انه إذا كانت هذه الفضائيات تريد إعطاء جرعة ترفيهية لتسلية الصائم فالمفترض أيضا أن تعطيه فرصة بعد تناول إفطاره للراحة وأداء الصلوات، خاصة التراويح، لا أن يعقد مقارنة بين طاعة ربه ومتابعة هذه البرامج والمسلسلات التي تجعله يلهث وراءها من قناة إلى أخرى، لأنها تسخر كل إمكانات الجاذبية والتشويق، من خلال حشد نجوم لامعة لها جماهيريتها وجاذبيتها عند المشاهد العادي فهذا بلا شك أمر ممقوت. وأرى أن الأسرة عليها معول كبير لتربية الطفل وتوجيهه إلى عادات وشعائر هذا الشهر الكريم لأن ما تبنيه الأسرة في عام كامل يأتي التليفزيون ليهدمه في أيام قليلة.

لقد تصورنا بأن الازمة التي يمر بها العالم حاليا سيكون لها أثر طيب في إعادة الهرم المقلوب لوضعه الصحيح وأن تتصدر أسماء العلماء والأطباء والمدرسين المشاهد الإعلانية في رمضان هذا العام على وجه التحديد كأقل تقدير لما يبذلوه من جهد لا يوصف لحفظ مصر وسلامة مواطنيها في ظل هذه المحنة ، ولكن للأسف بقى الوضع كما هو عليه في السابق وتصدرت النجوم والفنانين ولاعبي الكرة المشهد كالعادة ومن ثم لم يصلح الفيروس شيئاً بل ترسخ في عقول أبنائنا إن كنت تريد أن تصبح مشهورًا وغنيًا عليك تقديم هذا المحتوى حتى يتفاعل معك العدد الاكبر من المشاهدين.

 

 

الاخوة الافاضل… كل عام وانتم بخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

رمضانكم كريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى