صموئيل نبيل اديب يكتب: إلى أين تتجه مصر؟ من ضرب المعلمة إلى التودد للصوص!

في واقعة صادمة تعكس تحولاً خطيراً في القيم المجتمعية، انتشر مؤخراً مقطع فيديو يُظهر محاولة سرقة هاتف محمول في وضح النهار بأحد شوارع حي الأميرية بالقاهرة. الفيديو، الذي هزّ الرأي العام، وثّق لحظة قيام لصّ يستقل دراجة نارية بمحاولة انتزاع هاتف من يد رجل يبدو على ملامحه أعباء الحياة. فشلت محاولة السرقة، وسقط اللصّ بدراجته، ليقوم بعدها بإشهار سلاح أبيض “سنجة” في وجه الضحية.
لكن الصدمة الحقيقية لم تكن في محاولة السرقة نفسها، بل في رد فعل المارة. فبدلاً من أن يهبّوا لنجدة الرجل ومواجهة اللصّ، تجمّعوا حول الأخير وبدأوا في تهدئته قائلين: “صلي على النبي واهدأ”، وكأنهم يطيبون خاطره لا يواجهون مجرماً. أربعة رجال على الأقل تركوا اللصّ يفرّ دون مواجهة، في مشهد لا يقل غرابة عن مشهد آخر لا يزال حاضراً في الأذهان، حين اعتدت نساء على مُدرسة لأنها منعت الغش في الامتحانات.
هذا التخاذل الجماعي يطرح تساؤلاً جوهرياً: ما الذي حدث للشخصية المصرية؟ هل بات الخوف هو السمة الغالبة على مجتمع كان يُعرف بالجدعنة والرجولة؟ لقد بات اللصّ لا يخشى الناس في وضح النهار، بينما بات الناس يخافون من اللصّ. لقد بات الغشاش يضرب المراقب ويُضيع حقه، في حين يدافع المجتمع عن الغش.
هذا التدهور في منظومة القيم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج لسياسات إعلامية وثقافية على مدار العقود الثلاثة الماضية، والتي أفرغت المجتمع من قيمه ومبادئه الأصيلة. إنها طعنة عميقة في قلب القيم التي تربينا عليها.
لقد أصبحنا في حاجة ماسة إلى صحوة حقيقية. نحتاج إلى إعلام يستعيد أمجاد القيم والمبادئ، ورجال دين يذكروننا بحديث النبي “من غشنا فليس منا”، ويؤكدون على قيمة الدفاع عن الحقوق. إننا في سباق مع الزمن قبل أن تتحول البلاد إلى غابة لا يسودها إلا قانون القوة.
تحية إلى رجال الشرطة الذين تمكنوا من القبض على المتهم، الذي تبين أنه يعمل في توصيل الطلبات، وأن الدراجة النارية التي كان يستقلها مسروقة. هذا النجاح الأمني يؤكد على أهمية تطبيق القانون، لكنه لا يعفي المجتمع من مسؤولية مواجهة هذا التدهور الأخلاقي.