مني النمر تكتب: ورقة في مهب الريح …!!

في الماضي كان كل شيء واضح .
الخير يسمى خيراً ، والشر شراً …

العائلة كانت وطنا ، والدين سكينة ، والمبادئ لا تحتاج لتعريف ، فهي تعاش وتمارس دون حاجة إلى دروس تفسير …

لكننا لم ننتبه أن الزمان ليس فقط يتغير ، بل يبدل ملامح الأشياء فينا أيضاً ، حتى تلك التي كنا نظنها راسخة كالجبال …

اليوم، تشعر أن ما كنت تعتبره يوماً يقيناً ، صار وجهة نظر …
تناقش ، و ترفض ، أو تعاد صياغتها بما يتناسب مع المصلحة ، أو الأهواء ، أو حتى الموضة …
الصدق أصبح سذاجة ، والوضوح ضعف ، والنقاء سذاجة لا تليق بعالم يسير بسرعة الضوء نحو اللايقين …

لم نعد نعرف:
هل نتمسك بما كبرنا عليه …؟!!
أم نواكب العالم الجديد الذي لا يعترف بثابت إلا التغيير نفسه …؟
هل نربي أبناءنا على ما تربينا عليه ، أم نعتذر لهم منذ الآن ، لأن هذا العالم لا يشبه ما نشأنا فيه …؟

الثوابت لم تعد ثابتة ، لا لأن الحقائق تغيرت ، بل لأن ميزان الناس تغير …

لم تعد الحقيقة مهمة ، بل أصبح المهم:
من يقولها ؟ وكيف يقولها ؟ وما مدى جماهيريته ؟
فأصبح الصوت الأعلى هو الأقوى ، لا الصادق الحقيقي …

حتى المشاعر ، تلك التي كنا نظنها خارج حسابات التغير ، أصابها ما أصاب … فالحب الذي كان يبنى على المشاعر و الرحمة ، صار يقاس بعدد المنافع و الفوائد و الحسابات البنكية …

الوفاء أصبح نادرا ، لأنه لا يدر أرباحا . والمواقف ، التي كانت تعبر عن معدن الإنسان ، صارت تحسب بالتكلفة والمردود …

نعيش زمنا هشا … هشا في علاقاته ، في قناعاته ، في لغته …
كل شيء يعاد تشكيله ، وتدويره ، وتغليفه من جديد حتى يصبح “مناسبا” للعصر الجديد … حتى الثوابت التي نلوذ بها في لحظات الشك ، لم تعد موجودة بنفس الشكل الذي كانت عليه …

فهل الثوابت تغيرت حقا …؟!!
أم نحن فقط من تخلينا عنها ، هروبا من مواجهة أنفسنا ؟
فهل كان ينبغي حقا أن نغيرها ؟

أم كنا فقط بحاجة أن نعيد فهمها ، لا أن ندفنها …؟
الحقيقة برغم كل ذلك …

في أعماقنا ، ما زلنا نبحث عن الثوابت . نبحث عن الصدق في كلام أحدهم ، عن الوفاء في صديق ، عن الإيمان في لحظة ضياع ، عن مبدأ لا يتغير بتغير المصلحة …

نبحث عن شيء نتمسك به حين يهتز كل شيء …
حتى لا نكون ورقة في مهب الريح …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى