مني النمر تكتب: التغيير الصامت: هل تعاد صياغة مصر من الداخل …؟!!

منذ أكثر من عقد ، اشتعلت النار في أطراف العالم العربي ، ولم يكن الاشتعال عشوائياً ، بل بدا وكأنه خطة متقنة التنفيذ ومتعددة الأذرع …
سوريا ، ليبيا ، اليمن ، السودان … أربع دول عربية تمتلك عمقاً جغرافياً وإستراتيجيا كبيراً ، تم ضربها في ذات اللحظة ، وتم تفكيك بنيتها من الداخل …
ولأن الحروب لم تعد تخاض بالجيوش فقط ، بل بالفتن الداخلية ، كان السلاح الأكثر فتكاً هو الصراع العرقي والمذهبي والطائفي …
هكذا بدأت الحكاية ، وهكذا سقطت جيوش ، وتمزقت حدود ، وهجر ملايين البشر …

لم يكن القصد فقط إسقاط أنظمة ، بل خلق حالة دائمة من الفوضى ، تحول المواطن إلى لاجئ ، والحدود إلى خيوط وهمية ، والهوية الوطنية إلى ماض …
اللافت في المشهد أن السيناريوهات التي كتبت لكل دولة كانت تنفذ بنفس الخطوات تقريباً … استغلال الغضب الشعبي ، إشعال الفتنة ، تسليح الأطراف ، ثم ضرب مؤسسات الدولة ، خصوصاً الجيش …
ما تلا ذلك كان أكثر تنظيماً : تقسيم الأرض ، تفتيت الانتماء و الترابط ،ةليصبح انتماء عقائدي لا وطني ، ثم إخراج السكان عبر موجات من النزوح الجماعي …

في وسط هذا الانهيار المتسلسل ، ظهرت مصر كحائط الصد الأخير …
دولة لم تسقط ، لكنها لم تسلم من محاولات الاختراق …
فمنذ 2011 ، لم تكن مصر في منأى عن هذا المخطط الكبير . محاولة إسقاط داخلي من خلال الإخوان المسلمين ، ثم إرهاب منظم في سيناء ، ثم ضغوط اقتصادية متوالية ، وكلها كانت تسير في نفس مسار إسقاط الدول المجاورة …
لكن مصر صمدت …
لم تسقط ، ولم تقسم أُريد لها …

ومع فشل الطرق المباشرة ، بدأ نوع جديد من الحرب … التغيير من الداخل عبر التدفق البشري …
ملايين اللاجئين تدفقوا إلى مصر من الدول المنهارة .
في البداية كانت المسألة إنسانية ، لا يمكن لأي دولة أن ترفض الهاربين من الجحيم …
لكن مع مرور الوقت ، بدأت تتشكل حالة سكانية جديدة . التجنيس ، التمليك ، الزواج من المصريات ، فتح مجالات عمل وإقامة ، كلها تحولت من حلول مؤقتة إلى ظواهر دائمة …
فأصبح من الصعب تمييز الضيف من المتوغل لأهداف محددة مخططة سلفاً …

هذا النزوح الضخم لا يهدد فقط التركيبة السكانية لمصر ، بل يعيد تشكيل هويتها بالتدريج …
فحين تختلط الأعراق دون تنظيم أو وعي ، يصبح من السهل زرع الانقسامات …
وبدلاً من دولة موحدة ، قد تجد نفسك أمام دولة تحتوي على مكونات متفرقة ، قابلة للاستغلال في اللحظة المناسبة …
إنها نفس الفكرة التي تم تطبيقها في سوريا والعراق واليمن : إثارة النزاعات الطائفية والقبلية والعرقية ، لاستخدامها لاحقاً كذريعة لتدخل خارجي ، أو للسيطرة من الداخل …

السؤال الذي يفرض نفسه الآن : هل مصر تنتبه لهذا …!!؟
وهل هناك خطوات جدية لمجابهة هذا النوع من التسلل البشري الناعم …؟ الحقيقة أن الدولة المصرية اتخذت عدة إجراءات مهمة خلال السنوات الماضية … من بينها تشديد إجراءات التمليك للأجانب ، وتنظيم عمليات التجنيس بشروط مشددة ، ومراقبة الزواج المختلط خصوصاً في المحافظات الحدودية ، مع وضع سياسات أمنية واضحة تجاه التجمعات غير الرسمية التي بدأت تظهر في بعض المناطق …
كما حرصت على دمج اللاجئين في شكل يضمن الاستقرار ، دون أن يخل بالتوازن العام.

ورغم ذلك ، فإن الخطر لا يزال قائماً . فالمخطط لا يعتمد فقط على الأعداد ، بل على التوقيت … فالتغيير الديموغرافي لا يقاس باللحظة ، بل بما تتركه من أثر على مدى زمني طويل … فماذا لو حدثت فوضى ما …؟
أو تغيرت الظروف …؟!!
هل ستظل هذه الكتلة الجديدة متماسكة مع المجتمع المصري ؟
أم قد تستغل كأداة اختراق داخلي في لحظة ضعف …؟

مصر ليست هدفاً سهلاً ، ولم تكن كذلك يوماً …
لكن الذكاء في المرحلة القادمة ، لا يكمن فقط في الصمود ، بل في الانتباه للمسارات غير المرئية …
لأن الحروب القادمة لا تعلن عن نفسها ، بل تتسلل بهدوء …
تغييراً بعد تغيير ، حتى تستيقظ الشعوب لتجد نفسها في وطن لا يشبهها …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى