صفوت بسطا يكتب: كتالوج.. ومأساة فقد الأم

امتنعتُ منذ فترة عن متابعة المسلسلات الدرامية، خاصة المصرية، لعدم إعجابي بأغلب قصصها، فأنا لا أحب قصص البلطجة ولا قصص الثراء غير المبرر التي لا تُصيب المشاهد إلا بالإحباط، لكن يشدني من وقت لآخر بعض الأعمال التي تناقش قضايا اجتماعية حقيقية وتمسّ ملايين من الناس.
كان من هذه الأعمال في 2025 مسلسل “كتالوج”، والذي تدور قصته حول يوسف، الذي يفقد زوجته بسبب إصابتها بالسرطان، ويجد نفسه مضطرًا لتحمّل كل المسؤوليات والواجبات التي كانت تقوم بها الزوجة تجاه أولادهما (ولد وبنت).
يوسف، الذي عاش حياته متفرغًا فقط لعمله، وعندما يبدأ في تحمّل هذه المسؤوليات، يكتشف أنه لم يكن يعرف شيئًا عن أبنائه، أو حتى عن الحياة خارج إطار عمله.
ويجد نفسه وسط حكايات مدرسة الأولاد، وجروبات الماميز، وما يساعده نوعًا ما في تعلّم ما يجب عليه القيام به هو مشاهدته حلقات برنامج زوجته الراحلة “كتالوج”، والتي كانت تتحدث فيه عن التربية والعلاقات بين الآباء والأبناء والمشاكل اليومية.
ما يُعطي للمسلسل أهمية، هو أنه يمس آلاف الأسر التي مرّت بنفس الظروف من فقد الأم، وهي تجربة قاسية جدًا لا يُمحى أثرها مهما مرّ الوقت، فالحياة بعد الأم لا تعود أبدًا كما كانت، ففقدان الأم بالنسبة للأطفال خاصة تجربة في منتهى القسوة.
وسبب إعجابي بمسلسل “كتالوج”، هو مروري بنفس المأساة التي ناقشها المسلسل.
فقد فقدتُ زوجتي ورفيقة حياتي بسبب إصابتها بالسرطان، منذ ما يقرب من سنتين ونصف، ووجدتُ نفسي أبًا وأمًا لطفلتين، (يوأنا) ذات العشر سنوات وكانت وقتها بالصف الرابع الابتدائي، و(ميرولا) ذات السبع سنوات وكانت وقتها بالصف الأول الابتدائي.
لنبدأ سويًا رحلة صعبة وشاقة، وأغتنم هذه الفرصة لأتقدم بالشكر لكل شخص وقف إلى جانبي في هذه المأساة المريرة، وخاصة أختي شيري وزوجها فيكتور اللذين استضافا يوأنا وميرولا قرابة الستة أشهر في شقتهما، وتحمّلت شيري جزءًا كبيرًا من المذاكرة مع يوأنا والمراجعة والدروس.
لكن رغم ما قدّمه المسلسل من لحظات تأثّر من الأبطال لفقد هذه الأم، إلا أنني أظن أن القائمين عليه لم يريدوا تقديم مشاهد حزينة جدًا حتى لا ينفر المشاهد من المسلسل، لكن دعني أُخبرك بأصعب اللحظات التي تمر على من فقد أشخاصًا أعزاء عليه، والتي لم يتعرض لها المسلسل بشكل كبير.
بما أنني عشتُ هذه التجربة القاسية، فقد وجدتُ نفسي مثل يوسف مضطرًا إلى القيام بكل المهام التي كنتُ أتركها لزوجتي (رحمها الله) للقيام بها، فقد وجدتُ نفسي مضطرًا للانضمام إلى جروبات الدروس وجروبات الفصل، وحدث معي مثل يوسف، إذ وجدت هناك جروبات “الماميز” التي لا يُسمح لي بالانضمام لها، والطبخ والغسيل، وإيقاظهم للمدرسة وتحضير السندوتشات.
مع اختلافي عن يوسف أنني كنتُ قريبًا جدًا من بناتي وما زلت، فنحن نتعامل كأصدقاء، حتى قبل رحيل أمهم (رحمها الله)، لكن لم يكن هذا هو الجزء الأصعب.
كان الجزء الأشد قسوة هو بكاء بناتي كلما تذكرن أمهن (رحمها الله)، لأحتضنهن ونبدأ في البكاء جميعًا، فقد كان حزني مضاعفًا: حزني على رحيل زوجتي (رحمها الله)، وحزني على الجرح الذي يُعاني منه بناتي دون أن أمتلك القدرة على شفائهن منه، فقد كانت زوجتي زوجة وأمًا مميزة جدًا.
مرت الكثير من الأيام، أنظر إليهن عند ذهابهن إلى النوم فأدير وجهي للجهة الأخرى وأبدأ في البكاء في صمت، وكثيرًا ما عاتبتُ الله: لماذا حدث هذا؟ لماذا مررنا، أنا وبناتي، بهذه التجربة القاسية؟
في النهاية، فإن فقدان الأم من أقسى التجارب التي قد يتعرض لها الأشخاص، خاصة الأطفال، لما له من آثار نفسية قاسية جدًا.
رحم الله كل أم توفاها الله، وأعطى الموجودين الحكمة في تربية أبنائهم، ويعين الله كل طفل فقد أمه.