مني النمر تكتب: من الآخر … “تنبؤات أم رسائل موجهة” …؟

في زمن أصبحت فيه “التنبؤات” و”التحليلات” وسيلة لصناعة واقع جديد في أذهان الناس قبل أن يتحقق فعليا على الأرض ، فيطل علينا بين حين وآخر عدد من الشخصيات الإعلامية ممن يتحدثون وكأنهم يقرأون صفحات من كتاب المستقبل …
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
هل ما نسمعه حقا مجرد تنبؤات …؟
أم أنها رسائل مقصودة تبث بعناية إلى عقول الجماهير …؟
قبل أيام قليلة ، خرجت ليلى عبد اللطيف الإسم الأشهر في عالم التوقعات والرؤى بتصريحات أثارت الكثير من الجدل والريبة …
لم تكن مجرد توقعات عابرة ، بل كانت أقرب إلى رسائل سياسية خطيرة موجهة إلى شعوب المنطقة ، من الخليج إلى مصر ، ومن شمال إفريقيا إلى حدود إسرائيل ، و التي صورتها على إنها أمر واقع بالأسماء و الأماكن ، و التوقيتات …
حيث قالت إن المملكة العربية السعودية ستقود الشرق الأوسط الجديد ، بالتعاون مع إيلون ماسك …!!
وأن الجيش المصري سيخوض معارك ضارية ، لكنه سينتصر رغم ما سيواجهه من تحديات …
وأن انقطاعا تاما للكهرباء والإنترنت سيضرب بعض الدول العربية ، وسنشهد اختفاء رئيس دولة عربية في ظروف غامضة …!!
بل توقعت أيضا زلازل وأعاصير وفيضانات مدمرة في ليبيا والجزائر ، و غيرها من التنبؤات الخطيرة ولمحت إلى أنها ربما تكون “مفتعلة” …
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها تلك التنبؤات و هذا الكم من القلق …
بل إن اللافت للنظر أن عددا من التوقعات التي سبق أن تم الإعلان عنها في فترات سابقة تحققت بالفعل ، وهو ما منح بعض تلك الشخصيات مصداقية في أعين الجمهور …
لكن الأمر الأخطر من التحقق ، هو أن هذه الوقائع في الغالب لم تكن وليدة الصدفة ، بل حدثت لتستخدم لاحقا كدليل على مصداقية من تنبأ بها ، تمهيدا لتصديق أحداث أكبر وأخطر ، وكأننا أمام خطة متدرجة لترويض الوعي وتوجيه القبول الشعبي نحو مستقبل مرسوم سلفا …
فنجد أنه شكلا من أشكال الهزيمة النفسية الممنهجة …
فحين تبث هذه التوقعات بهذا الشكل الواسع ، وتقدم كأنها حقائق ، فإنها تفعل ما هو أخطر من مجرد نشر الخوف …
إنها تخدر الشعوب ، و تعمق القبول الداخلي بالقادم ، وتخلق مناخا من الاستسلام الجماعي …
وإذا أضفنا إلى المشهد شخصيات عامة مثل توفيق عكاشة ، والذي رغم مظهره التلقائي والعفوي ، يخرج بتصريحات تحمل أبعادا لا تقل خطورة عن نبوءات عبد اللطيف …
سنكتشف حينها أننا أمام ظاهرة إعلامية مقلقة …
فهو يؤكد أن إسرائيل ستمضي قدما في تنفيذ مخططاتها ، وأن ما قيل عن “وعد التمكين” سيتحقق لا محالة …
كما يلمح إلى ان الداخل المصري في حالة غضب ، و انه قدم النصيحة ، و ان القادم مقلق …
وكأن هناك تمهيدا خفيا لصراع ما قادم …!!
هل هذه مجرد “تحليلات سياسية” …؟
أم أننا أمام سيناريوهات ممنهجة ، تقدم للمواطنين في هيئة توقعات ، لكنها في الحقيقة ليست إلا إعداداً نفسياً وعقلياً لما هو قادم …؟في علم النفس ، يقال إن تكرار الرسائل يولد التصديق ، حتى وإن كانت زائفة …
فكيف إذا جاءت هذه الرسائل من شخصيات تحظى بمتابعة جماهيرية واسعة …؟
وكيف إذا ترسخت في عقول البسطاء عبر الشاشات ، بل وربما في حوارات الأسر داخل البيوت …؟
لكن ، وقبل كل شيء ، لا بد أن نؤكد على حقيقة راسخة لا شك فيها : أن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده …
و ان كل ما يروج على أنه “توقعات” أو “رؤى مستقبلية” ما هو إلا اجتهادات بشرية ، أو أدوات موجهة ، لا ترتقي أبدا إلى علم الغيب ، ولا تملك مفاتيحه …
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفكير جماعي واع ، يقرأ ما وراء الكلمات ، ويحلل ما خلف الشاشات ، ولا يسمح لهذه الشخصيات أن يطمس بصيرتنا …
فالكلمة قد تكون أقوى من الرصاصة ، والخطاب الموجه أخبث من العدو المعلن …
علينا ، كمواطنين ، ألا نكتفي بدور المتلقي ، بل أن نسأل:
من المستفيد من هذه الرسائل؟
و ما الهدف من توقيتها؟
ولماذا تتكرر بنفس اللهجة والسيناريو ؟
فهل يراد بنا أن نصدق حتمية الحرب ، وانهيار الدول ، وانتصار المخططات الصهيونية ، من دون أن نحرك ساكنا …؟
ما أريد أن أقوله في هذا المقال
ليست كل “نبوءة” عفوية …
وليس كل “تحليل” بريئا …
وبين السطور أحيانا تنسج أخطر الرسائل …
فكن واعيا …
و أجعل عقلك بوصلتك …