المستشار محمد سيد أحمد يوضح: أسباب انتهاء العلاقة الإيجارية في ظل القانون رقم 4 لسنة 1996

يمثل القانون رقم 4 لسنة 1996 علامة فارقة في تاريخ التشريع الإيجاري المصري، حيث نقل عقود الإيجار المبرمة بعد تاريخ العمل به إلى كنف القانون المدني، بعد عقود طويلة خضعت فيها لقوانين استثنائية ذات طبيعة آمرة. هذا التحول أحدث تغييرات جوهرية في أسباب انتهاء العلاقة الإيجارية، وهو ما يستدعي منا تحليلًا قانونيًا مستفيضًا لتوضيح هذه الأسباب وتداعياتها على أطراف العلاقة.
النطاق الزماني والمكاني لسريان القانون رقم 4 لسنة 1996:
قبل التطرق إلى أسباب انتهاء عقد الإيجار، من الأهمية بمكان تحديد إطار سريان القانون رقم 4 لسنة 1996. فقد حسم المشرع هذه المسألة في المواد الأربع الأولى من القانون، مبينًا أن سريانه يقتصر على:
- العقود الجديدة: حيث يسري القانون على عقود الإيجار التي أُبرمت تحديدًا بعد تاريخ العمل به في 31 يناير 1996. أما العقود التي أُبرمت قبل هذا التاريخ، فتظل خاضعة للقوانين الاستثنائية للإيجار، بغض النظر عن طبيعتها. ويُعتد بتاريخ انعقاد العقد، حتى لو كان تنفيذه معلقًا على شرط واقف أو مضافًا إلى أجل، حيث لا يسري الأثر الرجعي على حلول الأجل الواقف.
- الأماكن المؤجرة حديثًا: يشمل سريان القانون الأماكن التي أُنشئت قبل أو بعد تاريخ العمل بالقانون وتم تأجيرها لأول مرة بعد هذا التاريخ. كما يسري على جميع الأماكن التي انتهت عقود إيجارها القديمة، سواء قبل أو بعد صدور القانون، وقام المالك بتأجيرها لمستأجر جديد بعقد إيجار جديد يخضع للقانون رقم 4 لسنة 1996. في المقابل، لا يخضع التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن بعقود أصلية مبرمة قبل 31 يناير 1996 للقانون الجديد.
المرجعية القانونية لأسباب انتهاء عقد الإيجار بعد القانون رقم 4 لسنة 1996:
بإحالة القانون رقم 4 لسنة 1996 إلى قواعد القانون المدني بشأن تنظيم أحكام عقد الإيجار، تراجعت سلطة القوانين الاستثنائية على العقود الجديدة. وأصبح الأصل هو مبدأ سلطان الإرادة، حيث يعتبر العقد شريعة المتعاقدين ما لم يخالف النظام العام والآداب. هذا التحول أعاد لعقد الإيجار الخاضع للقانون المدني طبيعته التعاقدية الحرة، على عكس القيود الصارمة التي فرضتها القوانين الاستثنائية على المؤجر في إنهاء العلاقة الإيجارية.
أسباب انتهاء عقد الإيجار وفقًا للقانون المدني:
تنتهي عقود الإيجار الخاضعة للقانون المدني طبقًا للقواعد العامة في العقود، وذلك من خلال:
1. الإبطال أو الفسخ: يعتبر الفسخ سببًا رئيسيًا لإنهاء العقد، ويخضع في أسبابه للقواعد العامة في العقود، والتي تتضمن:
- اتفاق الطرفين: يحق للمؤجر والمستأجر الاتفاق في أي وقت على إنهاء عقد الإيجار.
- تحقق الشرط الفاسخ الصريح: إذا تضمن العقد بندًا يقضي بفسخه تلقائيًا عند تحقق واقعة معينة، فإن العقد ينتهي بتحقق تلك الواقعة دون الحاجة إلى حكم قضائي.
- اتحاد الذمة: إذا اجتمع في شخص واحد صفة المؤجر والمستأجر، انقضى الالتزام بالإيجار.
- عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزاماته: يحق لأي من الطرفين طلب فسخ العقد إذا أخل الطرف الآخر بالتزام جوهري من التزاماته المنصوص عليها في العقد أو القانون.
- هلاك العين المؤجرة: إذا هلكت العين المؤجرة هلاكًا كليًا، ينفسخ العقد بقوة القانون. أما إذا كان الهلاك جزئيًا، فيحق للمستأجر طلب إنقاص الأجرة أو فسخ العقد.
- إبطال سند ملكية المؤجر أو فسخه: إذا قُضي ببطلان سند ملكية المؤجر أو فسخه بأثر رجعي، فإن عقد الإيجار الصادر منه يكون قابلاً للإبطال.
2. أسباب خاصة في القانون المدني: بالإضافة إلى الأسباب العامة للفسخ، ينظم القانون المدني أسبابًا خاصة يحق بموجبها للمؤجر أو المستأجر طلب فسخ عقد الإيجار، وذلك في إطار المواد المنظمة لهذا العقد. ويترتب على فسخ العقد أو إبطاله إعادة الحال إلى ما كان عليه، أي إعادة العين المؤجرة إلى المؤجر، مع ملاحظة أن فسخ العقود الزمنية كالإيجار لا يسري بأثر رجعي على المدة التي انقضت قبل الفسخ.
3. انتهاء المدة:
- عقد الإيجار المؤقت: الأصل في عقد الإيجار أنه عقد محدد المدة، حيث يلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة لفترة زمنية معينة مقابل أجرة معلومة. يجب على الطرفين الاتفاق على مدة الإيجار، سواء كانت محددة بتاريخ انتهاء معين أو غير محددة. وقد استقر الفقه على أنه لا ينبغي أن تزيد مدة الإيجار على ستين عامًا قياسًا على حق الحكر. وإذا زادت مدة الإيجار عن تسع سنوات، يشترط تسجيل العقد لنفاذه في حق الغير. أما إذا تعذر تحديد المدة أو عُلقت على مشيئة المستأجر أو كانت مدى حياته، فيعتبر العقد منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة.
- تقسيم المدة إلى آجال: يجوز للمؤجر والمستأجر الاتفاق على مدة إجمالية للإيجار مقسمة إلى آجال (فترات زمنية)، مع إمكانية إنهاء العقد قبل انتهاء أي أجل بشرط إخطار الطرف الآخر بمهلة كافية. في هذه الحالة، يعتبر الإيجار محدد المدة بالمدة الإجمالية، ولا ينتهي بانتهاء كل أجل تلقائيًا ما لم يتم الإخطار بالإنهاء.
- التنبيه بالإخلاء في العقد غير محدد المدة: إذا لم يتفق الطرفان على مدة محددة للإيجار، أو كانت المدة غير معينة أو تعذر إثباتها، اعتبر الإيجار منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة، وينتهي بانقضاء هذه الفترة بناءً على طلب أحد المتعاقدين مع التنبيه على الطرف الآخر بالإخلاء في المواعيد المنصوص عليها في المادة 563 من القانون المدني. وتختلف مواعيد التنبيه بالإخلاء حسب طبيعة العين المؤجرة والفترة المحددة لدفع الأجرة.
شكل التنبيه بالإخلاء: لا يشترط القانون شكلًا معينًا للتنبيه بالإخلاء، فقد يكون بإنذار رسمي على يد محضر، أو بخطاب مسجل، أو حتى شفاهة مع إمكانية إثبات ذلك. ما لم يتفق الطرفان على شكل خاص للتنبيه في العقد، فيجب الالتزام بهذا الشكل المتفق عليه.
أثر فسخ المستأجر للإجارة قبل انقضاء المدة: بمجرد وفاء المؤجر بالتزاماته بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، لا يجوز للمستأجر أن يتحلل من التزامه بطلب فسخ العقد من تلقاء نفسه إلا في الحالات التي يجيزها القانون، مثل نظرية الظروف الطارئة أو العذر الطارئ. وإذا أنهى المستأجر عقد الإيجار بإرادته المنفردة دون موافقة المالك، يحق للأخير مطالبته بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة هذا الإنهاء المبكر، وغالبًا ما يقدر القاضي التعويض بالأجرة المستحقة حتى يتمكن المؤجر من تأجير العين لمستأجر آخر.
تطبيقات قضائية في تحديد مدة عقد الإيجار:
أرست محكمة النقض العديد من المبادئ القضائية الهامة في تفسير وتطبيق نصوص القانون المدني المتعلقة بمدة عقد الإيجار، ومن أبرزها:
- التنبيه بالإخلاء: يُعد تصرفًا قانونيًا صادرًا من جانب واحد يعبر عن رغبة صاحبه في إنهاء الإيجار في تاريخ معين، ويكفي لتحقيق أثره دلالة عباراته على هذا القصد.
- الإيجار مشاهرة والمعلق على مشيئة المستأجر: بعد انتهاء المدة الأولى، يعتبر منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة، ويحق لكلا الطرفين إنهائه بالتنبيه في الميعاد القانوني.
- العقد المتجدد تلقائيًا: بعد انتهاء المدة الاتفاقية، يعتبر منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة، وينتهي بالتنبيه بناءً على طلب أحد المتعاقدين في المواعيد المحددة بالمادة 563 مدني.
- العدول عن اعتبار العقد المؤبد: قضت الهيئة العامة لمحكمة النقض بالعدول عن الرأي السابق، وقررت أن العقد المعلق على مشيئة المستأجر يعتبر منعقدًا للفترة المحددة لدفع الأجرة، تطبيقًا لنص المادة 563 مدني، وأنه يحق لكلا الطرفين إنهاء العقد بالتنبيه في المواعيد القانونية.
إن فهم أسباب انتهاء العلاقة الإيجارية في ظل القانون رقم 4 لسنة 1996 يتطلب إلمامًا دقيقًا بأحكام القانون المدني والتطبيقات القضائية لمحكمة النقض. وقد أتاح هذا القانون قدرًا أكبر من الحرية التعاقدية لأطراف العلاقة الإيجارية، مع التأكيد على أهمية تحديد مدد العقود وشروط إنهائها بوضوح لتجنب المنازعات وضمان تطبيق القانون بشكل سليم وعادل.