إسلام محمد سيد أحمد يكتب: المحكمة وسلطتها التقديرية في سقوط الادعاء بالتزوير
المحامي والمستشار القانوني

يثير الادعاء بتزوير المحررات في ساحات القضاء إشكاليات قانونية دقيقة تتطلب فهمًا عميقًا للإجراءات والمواعيد المنظمة لها. وفي هذا السياق، تبرز مسألة إعلان مذكرة شواهد التزوير خلال المهلة المحددة قانونًا، وما يترتب على عدم الالتزام بها من آثار على سير الدعوى.
ينص القانون على وجوب قيام مدعي التزوير بإعلان خصمه بمذكرة تتضمن أوجه التزوير وشواهده ووسائل إثباته خلال ثمانية أيام من تاريخ التقرير بالتزوير في قلم الكتاب. إلا أن الفقه والقضاء استقرا على أن هذا الميعاد ليس حتميًا وقاطعًا، بل هو ميعاد تنظيمي تهديدي يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة.
فالمحكمة، وفقًا لما استقر عليه قضاء النقض، تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة في الحكم بسقوط الادعاء بالتزوير أو عدم الحكم به في حال تخلف المدعي عن تضمين مذكرته بأدلة التزوير ووسائل تحقيقه، أو في حال عدم إعلانه لمذكرة شواهد التزوير في الميعاد المحدد.
هذا الجزاء المنصوص عليه قانونًا ليس إلزاميًا على المحكمة، بل جوازيًا لها أن توقع به أو تتغاضى عنه، وذلك بناءً على ما يقدمه مدعي التزوير من أسباب ومبررات مقبولة لعدم قيامه بالإجراء في الميعاد القانوني. فقد يكون التأخير ناتجًا عن قوة قاهرة أو ظروف خارجة عن إرادة المدعي، تقدر المحكمة مدى جديتها وأثرها على سير الإجراءات.
وتأكيدًا لهذا المبدأ، أشارت محكمة النقض في العديد من أحكامها إلى هذه السلطة التقديرية الواسعة للمحكمة. ففي الطعن المدني رقم ٣٢٧ لسنة ٢٩ ق، جلسة ٢٢ /١٠ / ١٩٦٤، أكدت المحكمة أن الجزاء المنصوص عليه في حالة عدم إعلان مذكرة شواهد التزوير هو جزاء جوازي للمحكمة. كما أكدت المحكمة ذات المبدأ في الطعن رقم ٣٣٣ لسنة ٤٩ ق، جلسة ٧/ ٥/ ١٩٧٤، مشيرة إلى أن للمحكمة أن تحكم بسقوط الادعاء أو لا تحكم به وفقًا للأسباب التي يبرر بها مدعي التزوير عدم قيامه بالإجراء.
من هذا المنطلق، يتضح أن المشرع قد منح المحكمة مرونة في التعامل مع مسألة عدم الالتزام بميعاد إعلان مذكرة شواهد التزوير، وذلك إدراكًا منه لإمكانية وجود أعذار مشروعة تبرر هذا التأخير. وتهدف هذه المرونة إلى تحقيق العدالة وعدم حرمان صاحب الحق من حقه في إثبات تزوير محرر قد يترتب عليه ضياع حقوقه، وذلك لمجرد إخلال إجرائي غير مقصود أو ناتج عن ظروف قهرية.
ختامًا، يمكن القول بأن عدم إعلان مذكرة شواهد التزوير خلال ثمانية أيام لا يعني حتمية سقوط الادعاء بالتزوير، بل يظل الأمر خاضعًا لتقدير المحكمة التي تنظر في أسباب التأخير وملابسات الواقعة، وتوازن بين مقتضيات النظام الإجرائي وحماية حقوق الأطراف وتحقيق العدالة الناجزة. وعلى المحامين والمستشارين القانونيين التنبيه على هذا الجانب الهام عند مباشرة إجراءات الادعاء بالتزوير، وتقديم المبررات المقبولة للمحكمة في حال حدوث أي تأخير في الإجراءات.