د. ياسمين أسماعيل تكتب: من الجلوتين للكازين: هل الحمية الغذائية تؤثر على أطفال التوحد؟

في الآونة الأخيرة، أصبح الحديث عن “الحمية الغذائية لأطفال التوحد” يتكرر بكثرة، وخاصة الحمية التي تمنع الجلوتين والكازين. لكن ما هي هذه الحمية؟ وهل فعلاً لها تأثير على سلوك أطفال التوحد؟ دعونا نتعرف معًا على هذه الحمية من خلال هذا المقال.

ما هو الجلوتين والكازين؟

الجلوتين هو بروتين موجود في الحبوب مثل القمح، والشعير، والجاودار. يمكن أن نجده في العديد من الأطعمة مثل الخبز، والمعكرونة، والبسكويت، والكيك، وكافة المعجنات. أما الكازين فهو البروتين الموجود في الحليب ومنتجاته مثل الجبن، والزبادي، واللبن، والرايب.

ما الذي يحدث إذا لم يهضم الطفل هذه البروتينات بشكل صحيح؟

إحدى الفرضيات العلمية التي تم طرحها هي أن بعض الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد قد يواجهون صعوبة في هضم البروتينات مثل الجلوتين والكازين. وعندما لا يتم هضم هذه البروتينات بشكل كامل، فإن الجسم يمكن أن ينتج مواد تعرف بالبيبتيدات الأفيونية، وهي مركبات تشبه في تأثيرها المواد المخدرة مثل المورفين. هذا الأمر قد يساهم في تغير سلوك الطفل.

كيف يؤثر الجلوتين والكازين على سلوك الطفل؟

في بعض الحالات، تكون آثار البروتينات غير المهضومة أكثر وضوحًا. عندما لا يتم هضم الجلوتين والكازين، يتكون مركب يُعرف بالبيبتيد الأفيوني. هذه المواد يمكن أن تؤثر على المخ وسلوك الطفل بعدة طرق، مثل:

1. مشاكل في الجهاز الهضمي: يعاني بعض الأطفال من مشاكل هضمية مثل الانتفاخ، الإمساك المزمن، أو الإسهال المتكرر. عندما يعجز الجهاز الهضمي عن تكسير البروتينات بشكل صحيح، يتراكم جزء منها ويؤثر على الدماغ.

2. تسرب الأمعاء (Leaky Gut): يحدث ضعف في جدار الأمعاء، مما يسمح للمواد التي من المفترض أن تبقى داخل الأمعاء بالمرور إلى الدم. عند وصول هذه المواد إلى المخ، قد يتسبب ذلك في خلل في وظائف الدماغ، مما يؤدي إلى تبلد أو سرحان الطفل، وزيادة السلوكيات النمطية التكرارية، واضطرابات النوم والمزاج.

3. ضعف الحاجز الدماغي (Blood-Brain Barrier): الحاجز الدماغي هو الخط الدفاعي الذي يحمي المخ من المواد الضارة. عند ضعف هذا الحاجز، قد تصل المواد الضارة إلى المخ، مما يغير السلوك والمزاج لدى الطفل.

4. حساسية الجهاز العصبي: الأطفال المصابون بالتوحد يميلون لأن يكونوا أكثر حساسية للتغييرات الكيميائية أو البيئية. قد يؤدي خلل صغير إلى زيادة التوتر أو التهيج أو حتى الانسحاب.

5. العلاقة بين المعدة والدماغ (Gut-Brain Axis): هناك تواصل مستمر بين الجهاز الهضمي والدماغ، وعندما يحدث خلل في الجهاز الهضمي، تظهر تأثيراته على السلوك مثل فرط النشاط أو العصبية.

 

هل الحمية الغذائية مفيدة لكل الأطفال؟

الحقيقة هي أن الحمية الغذائية الخاصة بالجلوتين والكازين لا تؤثر بنفس الطريقة على جميع الأطفال المصابين بالتوحد. فبعض الأطفال قد يشعرون بتحسن ملحوظ في سلوكهم، بينما لا يظهر أي تغيير عند آخرين. لذلك، من المهم أن يتم تنفيذ هذه الحمية تحت إشراف متخصصين، حيث يجب أن يتم تجنب الجلوتين والكازين تدريجيًا.

كيف تبدأ الأم تطبيق الحمية؟

إذا كانت الأم تشك في أن طفلها قد يتأثر بالجلوتين أو الكازين، يجب عليها اتباع بعض الخطوات المنظمة، وهي:

1. مراقبة الأعراض الهضمية والسلوكية: يجب أن تلاحظ الأم ما إذا كان الطفل يعاني من مشكلات هضمية مثل الانتفاخ أو الإمساك، أو إذا كان يتغير سلوكه بعد تناول أطعمة معينة.

2. تجربة الحمية بشكل تدريجي: من الأفضل أن تبدأ الأم بمنع الكازين (الحليب ومنتجاته) لفترة من أسبوعين، ثم بعد ذلك تبدأ في منع الجلوتين (الخبز، المعكرونة، الكيك، وما إلى ذلك). يجب أن تتابع التغيرات في سلوك الطفل، نومه، وتركيزه.

3. ملاحظة ومتابعة: يمكن للأم أن تحتفظ بمذكرة لتسجيل ما أكله الطفل، وتسجيل التغيرات السلوكية والنفسية التي تحدث. هذا يساعد في تقييم تأثير الحمية بشكل دقيق.

4. استشارة متخصص: من المهم استشارة أخصائي تغذية للتأكد من أن الطفل يحصل على جميع العناصر الغذائية الضرورية مثل الكالسيوم والحديد.

 

هل هذه الحمية علاج للتوحد؟

من المهم أن نذكر أن حمية الجلوتين والكازين ليست علاجًا سحريًا للتوحد، بل هي أداة قد تساعد بعض الأطفال في تحسين سلوكهم، إذا تم تطبيقها بشكل صحيح وتحت إشراف. المفتاح في هذه الحمية هو المتابعة المستمرة والملاحظة الدقيقة، بالإضافة إلى وجود تدخلات سلوكية ودعميّة مناسبة.

خاتمة:

حمية الجلوتين والكازين قد تكون مفيدة لبعض الأطفال المصابين بالتوحد، ولكنها ليست حلاً سحريًا. من المهم أن يتم تطبيقها بحذر وتحت إشراف طبي أو تغذوي، مع ملاحظة أي تأثيرات سلوكية أو صحية على الطفل. كما أن التدخل السلوكي والتواصل الفعّال له دور لا يمكن الاستغناء عنه في تحسين سلوك الأطفال المصابين بالتوحد.

المراجع:

1. White, H., & McDonald, J. (2014). The Gluten-Free, Casein-Free Diet and Autism: A Review of the Literature. Journal of Pediatric Neurology, 10(2), 45-50.

2. Heilman, K. M., & McGarry, M. (2018). Gut-Brain Interactions in Autism Spectrum Disorder. Neuroscience Letters, 3(4), 102-108.

3. Knivsberg, A. M., et al. (2002). A Randomized, Controlled Study of Dietary Intervention in Autistic Syndromes. The International Journal of Nutrition and Behavioral Health, 18(3), 231-242.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى