المستشار محمد سيد أحمد يكتب: الصلح فى الجنايات

الصلح عرفته البشرية منذ القدم ولجأت إليه البشرية لنشر الأمن والأمان والسلام الاجتماعي بين أفرادها وکان يتم ذلک أن تخلع أسرة الجاني وتسلمه إلي أهل المجني عليهأو عن طريق الدية التي يدفعها أهل الجاني للمجني عليه . ولقد أخذت الشريعة الإسلامية بالصلح وأجازت تطبيقه في جرائم القصاص والدية وجرائم التعزير وجرائم القصاص “العمدية وغير العمدية” .بينما قصر المشرع المصري بالصلح فيها على جريمة القتل الخطأ وعلى بعض جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة ولم يجيز الصلح في بعض الجرائم . فالأصل في الأعمال الإباحة إلا ما تم تجريمه بنص تشريعي فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ولکن الإباحة بصفة مطلقة تؤدي إلى الإفساد .
فالصلح لا يکون على جميع الأفعال بل يحدد القانون أفعالا بعينها يتم فيها الصلح نظرا لأنها تتعلق فقط بالجاني والمجني عليه. وقد يرفض المشرع الصلح أو التصالح في بعض الجرائم لأنها تضر المجتمع بأسره .
ومن الجرائم التي نص الشرع علي الصلح فيها ما نصت عليه المادة 18 مکرر “أ” من قانون الإجراءات الجنائية وهي جرائم بعينها أجاز المشرع فيها الصلح ويترتب علي الصلح انقضاء الدعوى ولو کانت مرفوعة بطريقة الإدعاء المباشر . وتأمر النيابة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة.
والصلح کما يکون في القانون الجنائي يکون في القانون المدني إلا أنه في القانون المدني أوسع من القانون الجنائي لأن القانون الجنائي يشکل جرائم فالصلح فيها عن جرائم محددة . فالصلح يشمل نوعين من الجرائم “جرائم الأشخاص ، جرائم الأموال”.
وتختلف إجراءات الصلح في القانون الوضعي عنها في الشريعة الإسلامية . ففي القانون الوضعي الجنائي يتم الصلح أمام النيابة العامة أو المحکمة ويصدر حکم بالصلح والتصالح بين طرفي الدعوى. فالقانون رقم 174 لسنة 98 والخاص بتعديل بعض أحکام قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات . فالمادة 18 مکرر “أ” أجازت التصالح في المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة . ولم يکتفي المشرع بها وإنما وسع من نطاقها بمقتضى القانون رقم 145 لسنة 2006 ، والقانون 74 لسنة 2007 بما يوسع من نطاق التصالح ويمده إلي المخالفات والجنح التي لا يعاقب عليها وجوبيا بغير الغرامة أو التي يعاقب عليها جوازيا بالحبس الذي لا يزيد حده الأقصى علي ستة أشهر . فالصلح يتميز عن العفو والدية . فالصلح لا يتم إلا برضاء طرفيه أما العفو يصدر من ولي الدم أو المجني عليه دون حاجة إلي رضاء الجاني . کما أن العفو قد يکون دون مقابل أو على دية أما الصلح لا يکون إلا على مال والمال المصطلح عليه قد يکون بمقدار الدية أو بما هو أقل أو بما هو أکثر.
وإذا کان الصلح يتطلب توافق إرادتي الجاني والمجني عليه أو وليه وليس هناک مقدار معين للمال المصطلح عليه أما الدية يتحقق وجوبها بناء على (الإرادة المنفردة أو الرضي المنفرد) للمجني عليه أو وليه فالمجني عليه أو وليه بالخيار بين تنفيذ القصاص أو الدية ولا تختلف الجرائم في الشريعة الإسلامية عن جرائم القانون الجنائي الوضعي إلا في بعض المسميات . فإذا تم الصلح قبل التحقيق أمرت النيابة العامة بحفظ الدعوى . وإذا تم الصلح أثناء التحقيقات أمام النيابة العامة تأمر النيابة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية . وإذا وقع الصلح بعد إحالة الدعوى الجنائية للمحکمة تصدر المحکمة حکما بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح وإذا وقع الصلح أثناء نظر الطعن في الحکم أمام محکمة النقضتحکم المحکمة برفض الطعن بسبب الصلح ويوقف تنفيذ العقوبة.
فإذا تم الصلح بين المجني عليه والمتهم يجب على المحکمة أن تقضي بانقضاء الدعوى الجنائية بالصلح دون إشارة لبراءة المتهم أو إدانته . لذلک لا يؤثر الصلح الجنائي على الدعوى المدنية المرفوعة عن الجريمة المتصالح فيها . سواء کانت مرفوعة أمام القضاء الجنائي أو القضاء المدني.
الکلمات المفتاحية :. الصلح – الدعوي الجنائية – جرائم الحدود – جرائم التعزير – الخصومة الجنائية .