خالد البلشي يكتب: “مازال في الحلم بقية”

الزميلات والزملاء،

أتقدم إليكم اليوم، وفي قلبي إيمانٌ راسخ عزَّزته تجربة العامين الماضيين، بأننا قادرون على استكمال الحلم الذي بدأناه معًا قبل عامين. يدعم هذا الإيمان العديد من التحديات التي خضناها معًا، وكان حضوركم فيها عنوانًا للحسم.

كان دافعي للترشح في الدورة السابقة هو الحفاظ على تنوع هذه النقابة وحق الجمعية في انتخابات تنافسية تليق بنقابة الصحفيين. وجاء حضوركم الكثيف وقوة إرادتكم لتؤكد أننا معًا قادرون على فعل المزيد، واستعادة النقابة لتكون من جديد بيتًا لكل الصحفيين، ودعم حلمنا باستعادة هذه المهنة عفية وملاذًا لكل الحالمين بغد مختلف ومستقبلٍ أفضل، مهما كانت العثرات.

أتقدم إليكم هذه المرة وخلفي تجربةٌ نقابيةٌ قابلةٌ للتقييم، تجربةٌ اعتمدت على أبوابٍ مفتوحةٍ للجميع، وعلى السماع والاستفادة من كل رأي، وملاحظةٍ والوقوف معًا كجماعةٍ صحفيةٍ متنوعةٍ وموحدةٍ في مواجهة التحديات.

مع بدء الدورة الماضية، كانت آمال قطاعاتٍ واسعةٍ من الزملاء محصورةً في فتح أبواب النقابة وعودة الكراسي. كان هذا حلماً في عيون الكثيرين، وطالما سمعنا من كثيرين أن مجرد تحقيق ذلك إنجاز.

لكننا كنا نؤمن أن الجمعية العمومية التي ضربت أروع المثل في الحضور والإرادة في تغيير الواقع خلال انتخابات 2023، قادرةٌ على فعل الكثير. وكنا ندرك أن الجماعة الصحفية التي احتشدت لاسترداد النقابة لم تكن تبحث عن استعادة مبنى، بل الأهم هو استعادة دور وجوهر النقابة. وكانت رسالة حضوركم بمثابة تكليفٍ ببذل كل جهد، فتعهدت بالتفرغ لتحقيق هذا التكليف، وفتح كل الملفات التي طال تجاهلها، وعودة الجمعية العمومية لتكون شريكةً في كل شيء دون إقصاءٍ أو تمييز، وأن تعود النقابة لفكرتها الأساسية كبيتٍ لكل صحفي، يحمي ويطور ويصون ويتابع ويتدخل.

كان يحكمنا إدراكٌ واضحٌ أن قوة الجمعية العمومية قادرةٌ على فعل الكثير، وأن سقف طموحاتنا لابد أن يعلو لحدود مهنتنا وحلمنا بنقابةٍ قويةٍ ومهنةٍ عزيزةٍ تستعيد قدرتها في التعبير عن الناس. كنا ندرك أن نقابةً قويةً هي بداية الطريق للدفاع عن حقوقنا، وأن الصحافة المعبِّرة عن آمال وطموحات المواطنين هي التي ستبقى، وهي القادرة على نفض الغبار والخروج من أزمة القيود المكبلة لعملنا جميعًا إلى فضاء الحرية والقدرة على التعبير.

لقد كانت خطتنا مع بداية هذه الدورة النقابية أن نسعى لاستعادة هذه المهنة، واستعادة نقابتنا بيتًا لكل الصحفيين، نعيد للمبنى رونقه ومعناه، وللمهنة قوتها وتأثيرها، في خطين متوازيين. لكن سعينا لإحياء المبنى لم يقف عند حد الشكل، بل امتد أيضًا للمعنى، وللخدمات داخله، ولفتح كل القضايا الصعبة بوضوحٍ تامٍ وبلغةٍ قويةٍ تحافظ على تراثنا وتقاليدنا النقابية، دون أن نفتح أبوابًا للصدام، ولا أن نتنازل عن خطوطنا العريضة أو نتجاهل حقًا لصالح خدمةٍ عابرة.

وبفضلكم وجهدكم وتكاتفكم وحضوركم، على مدار العامين الماضيين، عادت نقابتكم قويةً بكم، عزيزةً لكم. فمضينا في مجال الخدمات لنفتح كل القضايا الصعبة، وخضنا – معًا كأبناء نقابة موحدة – الطريق لتطوير خدمات العلاج والإسكان والتدريب، وحل مشاكل الفصل وتدني الأجور وتراجع الخدمات. وتكاتفنا لمد الجسور مع الجميع، من المؤسسات والهيئات والمسؤولين، واستعدنا دور النقابة الوطني عبر مناهضة حرب الابادة في غزةً ودعم الصحفيين الفلسطينيين وفتحنا أبواب النقابة في ندواتٍ وفعالياتٍ مختلفة، وناقشنا كل الملفات ، لنستعيد قيمة ومعنى ودور النقابة من عوامل الزمن والتحلل والظروف التي كبلتها طويلًا.

طيلة عامين من العمل النقابي، كنا ندرك أننا في سباقٍ مع الزمن: أولاً لإصلاح بيت الصحفيين، ثانيًا لتطوير الخدمات المتقادمة ورفع المظالم ورد الحقوق ملتزمين بالتقاليد النقابية العريقة، وثالثًا، لتجاوز كل العثرات التي حدثت في مسيرة النقابة، والسعي لتكامل المجالس. فاخترنا أن نترفع عن الشد والجذب، ورحبنا بالنقاش مع كل الأطراف في كل الملفات، بدءًا من مجلس أمناء جائزة الصحافة إلى لجان شيوخ المهنة للمساهمة في لجان القيد، مرورًا باللجنة الاستشارية والأمانة العامة للمؤتمر.

كانت فكرتنا – ولا تزال – هي أن النقابة تكتمل بالجميع، والعمل النقابي هو في جوهره عملية تواصل بين أجيالٍ مختلفةٍ وأفكارٍ مختلفة. فعاهدنا الله والزملاء أن نستمع لكل رأي، وأن نفحص كل شكوى، وأن نستفيد من كل صاحب خبرة. فالهدف واحد، وهو مصلحة الصحفيين وحماية المهنة، مهما اختلفت الأفكار والرؤى والأساليب. فالنقابة “بيت الكل”، ولا يمكن أن يصادر أحدٌ على هذا الحق النقابي الأصيل.

أدركنا منذ البداية أن الطريق للبناء الجديد أو لتصحيح الأوضاع هو الإحاطة بحجم أزمتنا. فأطلقنا استبيانًا – هو الثاني في تاريخ النقابة كله – شارك فيه 1568 زميلًا وزميلةً، لمعرفة حجم المشكلات وتوصيف أزماتنا ومطالبنا بشكلٍ عملي، وأيضًا طرح رؤية الزملاء لمسارات الحل.

سرنا – طيلة عامين – على حد السيف، أبوابنا مفتوحة، وعقولنا منفتحة، وإصرارنا واضحٌ على تنوعٍ شاملٍ ومشاركةٍ من الجميع.
طرقنا كل السبل لحل المشاكل، وتواصلنا مع الجميع، ودرسنا كل فكرة، وراجعنا كل شكوى. وحاربنا لتظل نقابة الصحفيين مرفوعة الرأس، عالية الهامة، لا يكسرها أحد، ولا تُغلق أبوابها من جديد.

أساتذتي وزملائي،

حلمي وحلمكم واحد، وللحلم بقية في الانتخابات المقبلة ونحن قادرون على إنجازه معاً .
حلمنا أن النقابة التي خرجت من غبار الأزمات والإغلاقات والقيود، تمتلك اليوم فرصةً ذهبيةً لتكمل أحلام جمعيتها العمومية، وهذه الفرصة لا يجب أن تضيع.
أحلم – معكم – بجمعيةٍ عموميةٍ حيةٍ ونشطةٍ وحاضرةٍ دائمًا من أجل مهنتها ونقابتها. جمعيةٍ عموميةٍ تفخر بتنوع أجيالها وأفكارها، وتستثمر في المستقبل بالعمل والتطوير، وتحمي حاضرها في صناديق الانتخابات باستمرار.

بدأنا هذا الحلم منذ عامين، وأدركنا من اللحظة الأولى أن حرية الصحافة هي مفتاح قوتنا، فسعينا لتطوير البيئة التشريعية لتحمي الصحافة والصحفيين. فطورنا مشروع قانونٍ لمنع العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وأعددنا مشروع قانونٍ متكاملٍ لضمان حرية تداول المعلومات وتعزيز الشفافية، كما تمت صياغة العديد من التعديلات التشريعية على القوانين الحاكمة للصحافة والإعلام، التي جاءت بعض نصوصها لتقيد العمل الصحفي. إدراكًا منا أن صوت الصحافة يمثل صوت المواطن، ولا ينبغي لأي قيودٍ تشريعيةٍ أن تعيق هذا الصوت.

ومثلما عملنا على ملفات حرية الصحافة وتطوير بنيتها التشريعية، فإننا سعينا أيضًا لفتح كل ملفات المهنة. فذهبنا إلى كل الأطراف، ولم نترك بابًا مفتوحًا أو منصةً لقول كلمتنا إلا وطرقناها. وجعلنا عمادنا هو التفاوض والتعاون مع كل الأطراف. ومثلما حققنا بعض النجاحات في ملفات الحبس والحجب في البداية، سعينا بكل قوةٍ وبالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة لإطلاق خطةٍ لإحياء المؤسسات القومية واستعادة شبابها. كان على رأس ما تم فيها وضع خطةٍ لتعيين المؤقتين، وبدأت خطوات تنفيذها الفعلي، وصارت على مشارف الاكتمال بجهود الهيئة الوطنية للصحافة، وتعاونٍ مستمرٍ مع نقابة الصحفيين.

ومثلما كانت حرية الصحافة شاغلنا، لم نهمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. فسعيتُ معكم وبكم على مدار عامين لاستعادة الخدمات وإصلاح منظومة الأجور التي أهلكتها سنوات الإغلاق والتجميد الذي لحق بنا جميعًا، سواء عبر تفاوضاتٍ لم تتوقف، أو إطلاق أكبر سلسلةٍ من النقاشات حول قانون العمل والأجور المتدنية والخدمات المتهالكة والفصل التعسفي. وسعينا لحماية حقوق الصحفيين في كل المؤسسات دون استثناء.

لقد حاولنا قدر إمكاننا عبر أبوابٍ مفتوحةٍ للجميع، وعقولٍ منفتحةٍ على كل الآراء، وحرصٍ على التنوع ومشاركة جميع الأطراف. وطرقنا كل السبل لحل مشاكلنا في خطوطٍ متوازية. ربما نجحنا في بعض خططنا، وربما أخفقنا في بعضها، ولكننا خطونا خطواتٍ على طريقٍ نراه طويلًا، لاستكمال هذا البناء وصولًا لاستعادة المهنة كصوتٍ للناس، وسلطةٍ رابعةٍ تناقش وتحذر، وتكشف مكامن الخطر في المجتمع لتضيء الطريق للمستقبل.

فشكرًا لكل من حاولوا وما زالوا قادرين على المحاولة، وجودهم وحده قادرٌ على منحنا الثقة بأن الوصول ممكن، والأمل ممكن مهما كانت المشقة والعقبات.
شكرًا لكل من علمونا أن الحياة ليست مساحةً واحدةً وليست طريقًا واحدًا، ولكل من منحوني الأمل بأن هناك إرادةً كامنةً لا تزال تحاول ولا تزال تحلم بواقعٍ أفضل مهما كانت الضغوط، وبمساحاتٍ أكثر رحابةً للحرية، تتجاوز حدود المتاح وتتحدى محاولات فرض الهيمنة.
شكرًا جزيلًا لكل من تكبَّد عناء المحاولة، ولكل من جاء تحركه تعبيرًا عن إرادةٍ حقيقيةٍ مهما كان شكل هذه الإرادة الحرة. فجميعًا نحاول، وسنصل بالمحاولة والاختلاف.

لكل هؤلاء ولكم جميعًا،

أتقدم إليكم للفترة القادمة، ولدي قناعةٌ راسخةٌ – عززتها التجربة وما تعرضت له مهنتنا من أزماتٍ اقتصاديةٍ وملماتٍ على مستوى الحريات والأداء المهني – أننا مهنةٌ تموت بلا حرية، وأن الحرية والتنوع بالنسبة للصحفيين ليست رفاهيةً، بل هي مرادفٌ لـ”أكل العيش”. فعندما غابت الحرية، أُغلقت الصحف، وغابت الصحافة، وتدهور التوزيع، وطالت قائمة البطالة والفصل التعسفي، ودفع الصحفيون الثمن غاليًا على كل المستويات.

الزملاء جميعًا،

لدينا حلمٌ نبيلٌ بدأناه سويًا قبل عامين، واليوم أعيد تقديم نفسي لنيل ثقتكم، واستكمال ما تبقى من هذا الحلم. وكلي إيمانٌ أننا قادرون معًا على تجاوز أوضاعنا الصعبة، وأن مهنتنا عصيةٌ على الانكسار، وأن وطننا يستحق صحافةً حرةً، وصحفيين متحررين من قيود الضغوط الاقتصادية، وقادرين على أداء دورهم.

وأخيرًا…
زميلاتي وزملائي وأساتذتي:
أعيد تقديم نفسي لنيل ثقتكم، لأنه “مازال في الحلم بقية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى