مني النمر تكتب: إستراتيجية الهدوء المؤثر …!!

في توقيت يبدو من الخارج هادئا ، لكنه في الحقيقة مشحون بالتوتر حتى أطرافه ، جاء رد و تحرك الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارتين متتاليتين إلى كل من قطر والكويت ، بمنتهى الهدوء و الاتزان ، لا بالصوت العال أو بتصاعد وتيرة توتر العلاقات ، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة عقب فضيحة ” قطر جيت” …

فلم تكن الزيارات بروتوكولا فقط ، ولا مجاملات دبلوماسية موسمية ، بل كانت خطوات محسوبة في توقيت لا يحتمل الأخطاء ، ولا يقبل التردد ، بل يستدعي وضوحا وصراحة وقرارات تتجاوز الكلمات . في ظل حرب غزة المشتعلة ، و في ظل إعادة العالم رسم خرائطه ، و لو على أنقاض المذابح و أشلاء الأبرياء …

فكان تحرك مصر بين الحذر والحزم ، لتبحث عن مساحات فعليه من التحالفات ، و ليست مجرد صور بروتوكولية أمام الكاميرات …

ما الذي قيل في الغرف المغلقة …!!؟ وما الذي لم يقال …!!؟
لا أحد يعرف على وجه التحديد ، لكن المؤكد أن الرسائل كانت واضحة بما يكفي ، حتى لو لم تعلن …
مؤكد أن الملفات لم تكن قليلة ، وأن اللحظة كانت تتطلب شجاعة الحديث عن المستقبل بكل ما فيه من تعقيد …
فمصر التي تتحرك الآن ليست هي نفسها منذ سنوات ، ولا حتى شهور …
مصر باتت أكثر قوة و أكثر دراية بتعقيدات الإقليم ، والأقرب إلى إمساك الخيوط بيدها و التي لن تتركها للرياح تعبث بها …

و على الجانب الآخر ، الزيارة جاءت أيضا في ظل حاجة ملحة لتعزيز الإستثمارات الخليجية في مصر ، ليس فقط لضخ الأموال ، بل لبناء شراكات إستراتيجية طويلة الأمد ، تعيد التوازن إلى الإقتصاد المصري …
و قد جاءت هذه الزيارات في توقيت مثالي على كافة الأصعدة … الإقتصادية ، الحرب في غزة ، و التوصل لاتفاق ملزم بإنهاء الحرب و إعمار غزة في وجود أهلها و رفض تهجيرهم تحت أى مسمى …
ولا بعيدة أيضاً عن الحراك الدولي الذي يسير بخطى متسارعة نحو إعادة ترتيب مراكز النفوذ و القوى و محاولة تغير جيوجرافي على أرض الواقع …
كل شيء مترابط ، وكل خطوة تحمل خلفها وزنا أكبر من ظاهرها …

فهل كانت الزيارات ناجحة …؟
لا تقاس هذه التحركات بكم الصور ولا بعدد التصريحات ، بل تقاس بمدى التفاهمات و القرارت الإلزامية لجميع أطراف المعادلة ، و بقدرتها على توضيح رؤية مصر في لحظة إقليمية مضطربة ، وبمدى ما تفتحه من أبواب لم تكن تفتح إلا بالحوار الهادئ المتزن المبني على المعرفة …
في لحظات التغيير الكبرى ، لا تكون الكلمات الرنانة هي الفيصل ، بل التحركات التي تفهم إيقاع اللحظة وتعرف متى تتكلم ومتى تصمت ، ومتى تمد يد المصافحة …

ففي السياسة ، الهدوء أحياناً يكون أقوى من ألف خطبة …
ومصر ، في زياراتها الأخيرة ، كانت تمارس هذا الهدوء … كانت تعيد ترتيب الطاولة و بمنتهى الهدوء .
في النهاية …
العبرة ليست فقط فيما جرى ، بل في الرسالة التي حملها السيسي وهو يتنقل بين العاصمتين … و التي أثبت بأن مصر حاضرة ، وأن هدوءها ليس ضعفا ، بل خيارا مدروسا …

و أن حضورها في المعادلة الخليجية مؤثرا ، وأن سياستها الخارجية تدار بعقل الدولة لا بإنفعالات اللحظة …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى