د. مهند محسن علوان نائب سفير العراق لدى القاهرة يكتب: “قتيبة النعيمي يتألق مع اوركسترا القاهرة السيمفوني”

كان وما يزال التراث العراقي ثرياً بفنهِ وباشخاصهِ الذين يبدعون في تقديم الفن العراقي في المحافل الدولية على أحسن وجه.
وحقيقةً ان الاستماع الى تراث البلد العريق خارج حدود الوطن، يكون له نكهةً يضاف الى أصل الجمال فيها، وكيفما لا يكون ذلك وانت تستمع اليها على ارض الكنانة.

إذ طالما تميزت دار الاوبرا المصرية بالزهو والجمال والتالق في استضافة وتقديم اروع الاصوات الفنية التي لا يشفعني الحرف لوصفها واستحضارها في هذا الزهد اليسير، مع شديد الاحترام للاسماء والمقامات.

وكانت دار الاوبرا كعادتها مُشرقةً في الموسم الرمضاني 2025، مع التغير في الاجواء التي اخذت بالاعتدال وبما ينعش النفس ويخالط الاماكن بكل ما هو انيق ومشفوع بالجمال.

أستلمت، انذاك، الدعوة لحضور أمسية موسيقية والتي يقدم فيها مقطوعات من تاليف الفنان العراقي قتيبة النعيمي، والذي للاسف لم أكن قد التقيت به بعد، ولهذا كان سؤالي مع زميلتي- التي كان لها الفضل في التعرف على النشاطات والشخصيات الفنية العراقية التي لها اعمال في القاهرة- سألتها: ما هو الجديد في مؤلفات الاستاذ النعيمي؟ فأخبرتني: أنه متميز بتشكيل مقاطع من موسيقى الاغاني العراقية المشهورة منها والفلكلورية على حد سواء في السيمفونية العالمية والكلاسيكية، ولهذا لا تفوت الفرصة في حضور الامسية الخاصة به.

وفعلا أخذت بالنصيحة، وكان لي الشرف بالحضور واللقاء مع نخبة من الشخصيات العراقية (سيدات وسادة) وفي مقدمتهم الفنان المرموق نصير شمه.

كنا جميعاً، ما بين الجمهور العراقي الجنسية، والعرب والأجانب، نستمع بكل شغف الى المقطوعات الموسيقية واحدة تلو الاخرى، ولكن يجرنا الشوق أن المقطوعات التي مزجها فنانا النعيمي قد تبدأ في لحظة ما بعدما نُكمل من التصفيق للمقطوعة التي انتهت، وكان هكذا الحال حتى دخل عازف القانون لينضم الى مجموعة الموسيقين الموقرين الذين كانوا على المسرح.

بدأنا نهمس احدنا الى الاخر: هل ستبدأ مقطوعات فنانا العراقي ما دام عازف القانون انضم الى الفرقة؟ وبالفعل بدأت امواج الصوت الناعم من الفرقة الموسيقية يختلف لحنها الى “نوتة” أجمل، ورقة صوت يُحلم، حتى بدا الجمهور وكأنه في لحظةً قد حضر، وما كان قبل برهة موجود في القاعة من بشر!!

نعم، فقد انسابت في القاعة، رغم الاتكيت والوجل، “دندنة” هنا، وصفقةً هناك مشفوعةً بخجل … عندما دخلت موسيقى أغنية “محمد بويه محمد” بتأليف أوركسترالي معاصر، وموسيقى أغنية “بين العصر والمغرب” ما بين المقطوعات الموسيقية بكل تنظيم ورونق يُبهر السامع مهما كان بالموسيقى والفن “جهْلَ”…

نقلنا النعيمي من جنوب العراق الى غربه، من “محمد بويه محمد” من تراث جنوب العراق والذي يعتمد على مقام الحجاز، وتميزه بايقاع الخشابة العراقي الشهير، الذي يُعد جزءً اساسياً من الهوية الموسيقية للبصرة الفيحاء، الى مقطوعة “بين العصر والمغرب” من التراث الغنائي لمنطقة العراق الغربية، والتي تعتمد على ايقاع رقصة الجوبي، التي هي من ابرز سمات المنطقة الغربية الاصيلة.

انتهت المقطوعتان، ولكن التصفيق اليهما اثناء الاداء وبعدهما لم يكن يوصف، كونه كان بلا ملل، وكأن الجمهور يهتف براحة يديه لمؤلفنا: “أحسنت التنسيق يا أبن الفراتين وشددتنا للاستماع بلا وجلَ”.

 

أنتهت الامسية، ولكن اعجابنا بها وبفنانا لم يكن له ان يوصف مهما القلم حاول ان يجتهد، وهو ما حداني أن أحاول التطرق الى الامسية بهذه الحروف البسيطة بلا كَلفّ، طمعاً في عكس خلودها، إذا ستار العمر انسدل، كما هو خالداً تراثنا في وجداننا ويحمله سفراء اللحن والاغنية بكل أمانة ومن بينهم فناني تلك الامسية؛ نصير شمه الذي شاركنا الامسية ضيفاً خفيف الظل مبتسم، ولاحقاً عرفت أنه العراب خلف عريف أمسيتنا التي لاجلها وأجلهِ – قُتيبة النعيمي- هذا القلم أدلى بهذا البسيط من الحبر على الورق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى