محمد مطر: أخلاقية العادات
تجرأ الناس على ارتكاب كل شيء، ولم تعد هناك سُلطة عليا يخضع لها الفرد، بعد تحطيم آخر الحصون وهو الوازع الأخلاقي، الذي كان سدًا منيعًا في مواجهة الأفكار الموجهة “من قِبَلِ من يتصفون بالغرور المعرفي”، والتي أصبحت وراء نشوء ما يمكن أن نطلق عليه حالة الـلاأخلاقية التي يتصف بها مجتمع العصر الحديث، والذي يتميز بأنه عصر المعرفة، لكن المعرفة لا تُولِد الأخلاق عادة.
ضَعُفَت “السُلطة العُليا المجتمعية” وهي سُلطة العادات والتقاليد بشكل كبير ، وأصبح المعنى الأخلاقي دقيقًا وضئيلًا جدًا إلى درجة أنه يمكننا اعتباره قد تبخر.
عزيزي القاريء، أيًا كان عُمرك ماذا لو قارنَّا طريقة العيش في زماننا نحن “المحدثين” مع طريقة عيش من سبقونا من “القدامى”؟
إنني أتفق معك تمامًا في أنه لم يكن لأحدٍ منَّا خيارٌ فيما هو عليه الآن، لا بداية الرحلة كانت بأيدينا، ولا انتهائها أيضًا بأيدينا، ولا حتى الأفكار التي نستقيها بمضمونها لا نعرف جذورها، والبحث عن جذورها أمر مرهق، إلا أن چُل هذه الأمور كانت تنتهي جميعًا بتقديس”العائلة وعاداتها وتقاليدها” وإعلاء شأنها مهما كان الثمن احترامًا للعطاء والقيم الـلامحدود، وهذه من الصفات التي تميز بها من سبقونا وتوارثتها الأجيال من بعدهم، إلى أن وصلنا إلى هذا العصر الذي ينصُب فيه بعض المُتثاقفين العداء لكل العادات والتقاليد وينزع عنها قدسيتها ويُشمِرُ عن ساعديه ويُمسِكُ بمعوله لهدمها ولم يفرقوا بين ما يصلح منها وما لا يصلح، معتقدين في أنفسهم أنهم بذلك سيحققون “صورة الإنسان الكامل” الذي يشكلونه في مُخِيلتِهم، مع أن العالم الحقيقي غير العالم المتخيل، وقد أساؤا أيما إساءة بمحدودية فهمهم لطبائع النفوس، وعدم إدراكهم بما يصلح وما لا يصلح للمجتمع الشرقي التكوين، والذي يعتمد على الروحانية، والتصالح مع الذات، ومد جسور التسامح مع الآخر، والقدرة على سَنْ سُلطة عليا كوازع أخلاقي رادع، بأكثر من اعتماده على عالم المعرفة الـلاخلاقي والذي أسس للفردانية المجتمعية، ورسخ في الأذهان أن المال أهم من العائلة، بل الأهم على الإطلاق.
وإلى لقاء إن قدر الله لنا البقاء…